قيس النجم
لا تخلو الأحاديث هذه الأيام من موضوعة البطالة وتكرارها بشكل واسع، فكل مشكلة كبرت أم صغرت؛ سببها الفساد، وكل مشروع متعثر أو متأخر سببه الفساد، والفساد بقي مجهولاً، ولا يمسك به، كأنه شبح لا نراه، لكننا نثق بوجوده، ولا إثبات يبرهن عليه، ولا قصاص، رغم أنه أكبر من مساحة العراق.
المحزن أن الدولة باتت تتعثر هي الأخرى؛ بسبب الضوضاء الكثيفة المتعمدة، في محاولة لإفشالها، رغم أنها فاشلة في أغلب الأمور، وأصبح من الطبيعي للسراق، خلط الباطل بالحق، والحلال بالحرام، والخير بالشر، ويبقى الفساد هو سيد الموقف.
مخلفات الفساد كثيرة، وأهمها كثرة العاطلين عن العمل، مما جعل من البطالة مسيطرة على المجتمع، وتسببت بحالة نفسية مدمرة عقمية، دفعت الى إنعزال العاطلين، عن مزاولة أي نشاط إيجابي في مجتمعهم، وكذلك لها إنعكاس سلوكي شديد الخطورة، كالإندفاع نحو تعاطي المخدرات، والجريمة، والإنضمام بسهولة الى المنظمات الإرهابية.
هناك نوعان من البطالة، هما البطالة المقنعة، والبطالة المقننة، للموظفين الذين يشغلون درجة وظيفية مستحقة، وهم مجرد أسماء موجودة غير منتجة، وثقل كبير على كاهل الدولة، يدخلون ضمن خانة الفساد.
أما البطالة المقنعة التي تشمل المواطنين، الذين يحملون شهادة تؤهلهم أن يشغلوا وظائف، ويخدمون البلد، لكنهم يعملون حمالين أو نجارين أو باعة بسطيات، أو ممن لا يملكون سوى قطعة خشب مربعة (جمبر)، لبيع السكائروالعلك والألعاب على قارعة الطريق!.
لو أردنا التعرف على أسباب البطالة ومسبباتها، لتلخصت بما يلي: أولاً.. عوامل تفشي الفساد والهدر وتبذير الأموال، في وقت يمر البلد بمرحلة حرجة.
ثانياً.. تسنم وزراء فاسدون ليسوا أكفاء، لوزارات مهمة ذات تماس مباشر مع المواطن، واهمها العمل والشؤون الاجتماعية، وأمانة بغداد، والتخطيط، التي من المفترض أن تقدم للحكومة البيانات الدقيقة، لحجم البطالة المتفشية، وكيفية المساهمة في تقليل نسبتها على أقل تقدير.
ثالثاً.. عقم قانون التقاعد، القاضي بأن يكون عمر الموظف المتقاعد (63) عاماً، يعني عدم فسح المجال للطاقات الشابة، لشغل مواقع في دوائر الدولة، بعد تهيئتهم ليكونوا على قدر المسؤولية، وهذا يقع على عاتق الدولة، بتكليف موظفي الخبرة، لعمل ورشات تدريبية داخل الدائرة نفسها، وصناعة قادة يستطيعون تصدر المناصب خلال فترة وجيزة، والإستفادة القصوى منهم.
الحلول لهذه المشكلة ليست بالسهلة، فهناك تقاطعات تقف حاجزاً بين الدولة والعاطل عن العمل، فالدولة ملزمة بميزانية سنوية، لا تستطيع تخطيها، سيما وأن قوانين قديمة هي من تسير عملها، ولا تستطيع سن قوانين جديدة؛ بسبب تعدد الأحزاب؛ والمنافع الضيقة، التي تقف في مقدمة المطبات، للوصول الى الحلول، وتذليل مشكلة البطالة.
نظرة الخبراء في مجال الإقتصاد تتلخص في ست نقاط مهمة، للخروج من مشكلة البطالة، وهي: تشجيع الإستثمار للدولة والقطاع الخاص، وتوفير فرص العمل للشباب، سيما الخريجين، والإهتمام بتحسين النظام التعليمي، والنهوض بالنظام الإقتصادي، وخفض السن القانوني للتقاعد لفسح المجال للشباب، والأهم تخفيض رواتب الدرجات الخاصة التي لا تتناسب مع مجهوداتهم ومهاراتهم، مما سيوفر دخلاً إضافياً في ميزانية الدولة، في محاولة للبدء بشطب خط الفقر والبطالة، من خارطة العراق الجديد.
ختاماً: الفاسدون لم ولن يسمحوا للدولة، أن تفكر في تغيير الوضع الاقتصادي كي يخدم المواطن، لكونهم المسيطرون على الدولة العميقة، وهم أنفسهم من يتحكمون بأرواح الناس، ولا يهمهم إن بنوا قصورهم فوق جماجم المواطنين.
https://telegram.me/buratha