مهند ال كزار
كالعادة؛ استيقضت صباحا وانا غارق في النوم، مهشم العظام التي لا يوجد في قاموسها مفردة الراحة، بشقيها الجسدية والعقلية، متيقن كل اليقين، ان السيجارة هي الحل، لكنني أواجه صعوبة بالغة في تقبيلها صباحا، وهذه الصعوبة تأتي من وجود والدتي، التي دائما ما تفرض تناول الفطور قبل اي نشاط اخر، لذلك مررت على الفطور مرور الكرام، وعيناي شابحتان صوب باكيت السيجار، الذي عانقته بعد فترة فراق طويلة تجاوزت الخمسة ساعات، هنا؛ أستقر الحال وصار لزاما ان أشاهد الاخبار الصباحية والتي ما أن فتحت التلفاز اخذني صوب البصرة الفيحاء ؟
ككل عراقي؛ اخبارنا اليومية لا تتعلق بالرياضة الصباحية، او متابعة ابرز العناوين في الصحف والجرائد، انما تتركز في طبيعتها على المشاكل اليومية، التي أعتدنا دائما على سماعها، كأسطوانة يعاد تشغيلها بين ساعة واخرى، حيث كانت جميع القنوات التلفازية تتناول بشغف ما يدور بعاصمة العراق الاقتصادية؟! هذه التسمية التي تطلق على البصرة، التي ترفد الاقتصاد العراقي بأكثر من ٦٠% من الايرادات العامة للدولة، فضلا عن أهميتها الجغرافية، والتي تعتبر الممر الرئيسي للقناة الجافة التي تمتد الى تركيا، ومن ثم الى المناطق الاوربية وبالعكس، كما انها المنفذ البحري الوحيد للعراق على الخليج العربي .
منذ بداية أرتفاع درجات الحرارة، والبصريون يعيشون تحت وطئ الرطوبة ودرجات الحرارة العالية، حتى ان المعيشة فيها تكاد تشبه التواجد داخل ساونة خانقة طوال ايام وليال الصيف الطويل، لكن هذه الظروف القاهرة، تمنع التظاهر للمطالبة بالحقوق المشروعة التي فرضتها المواطنة في البصرة وغيرها من المحافظات ؟! نعم تمنع التظاهر في ظل حكومة السيد العبادي التي حملت المواطنيين مسؤولية أنقطاع التيار الكهربائي لعدم اطفاءهم لسبالت ( الحمامات ) في هذا البلد، ضنا منه ان جميع العراقيين يضعون السبالت في حماماتهم مثلما يفعل هو، وكما يقول المثل الدارج ( كل شخص يرى الناس بعين طبعه ) .
السيد العبادي ؛ لا يعلم بأن موظفو النفط والموانئ والمنافذ الحدودية بما يقارب ال 80% منهم من خارج البصرة، بينما البصري عاطل عن العمل، وفي البصرة يوجد 8 محطات توليد للكهرباء، ولو تم تخصيص ثلاثة منها للبصرة لانتهت المشكلة مع الكهرباء، لكن للاسف بعض المحافظات الغربية ومنذ اربعة عشر عاما تنعم بهذه النعمه، ولا توجد فيها محطة توليد واحدة، ومن دون أن تضع في حساباتها انشاء محطات للتوليد طوال تلك السنوات الماضية، كي تترك هذه المدينة تنعم بخيراتها المنهوبة، أمام اعين اهلها وساكنيها، وعلينا من باب الانصاف أن نعترف بذلك .
والمشكلة الاكبر؛ ان الكويت الدولة المجاورة للبصرة تعمل على تحلية ماء البحر، وانشأت اكبر محطة تحلية بقيمة 300 مليون دولار! تمعنوا بهذا الرقم جيدا، ولو تم انشاء مثل هذه المحطة في البصرة لاكتفت منها، لكننا نرى كيف تعاني هذه المدينة من عدم توفر الماء الصالح للشرب، وكل من زار البصرة يقر بذلك، الا أن موضوع هذه المحافظة لا يهم احدا من صناع القرار السياسي والاقتصادي، ناهيك عن انعدام شبه تام لمجمل الخدمات المقدمة للمواطنين .
هذه التوليفة الصباحية؛ انهت بشكل كامل على سجائري الحبيبة، وجعلتني أبحث عن حبة براسيتول لتهدئة الصداع الذي نتج عن هذه المشاكل، التي تكاد تكون شبه يومية، من دون أن تكون هناك اي حلول من جانب الحكومة الرشيدة، التي طالما تزيد من الطين بله، من خلال تصريحات غير مسؤولة، ومضحكة في بعض الاحيان، منها اطفاء الكيزر في فصل الصيف لصالحبها الفهداوي، ولا تنتهي بمقولة اطفاء السبالت الموجودة في الحمامات للسيد العبادي، بل حتما سوف تكون هناك اقوال وتصريحات اخرى، مبتعدين فيها عن وضع الحلول المناسبة لهذه المشاكل .
على العموم؛ يبقى المواطن هو صاحب الحق، طالما ان المسؤول متغافل عن المشروعية في تلك التظاهرات، وكل عمل لا يخرج من الاطار القانوني له يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، لا ان يتم الهجوم عليه الى درجة تصل الى القتل، وازهاق الارواح، وعلينا جميعا ان نعي ان انعدام الخدمات الاساسية مشكلة تعم جميع المحافظات، وان امتدادها الى المحافظات الاخرى سوف يعقد من المشكلة، لكن في حالة عدم وضع الحلول المناسبة من قبل الحكومة، سوف تكون هي الحل الوحيد لانتزاع الحقوق المغتصبة من قبل الحكومات المتعاقبة .
https://telegram.me/buratha