قيس النجم
ذات ليلة إستدعى الإمبراطور كبير المستشارين، وطلب منه الذهاب لغرفة الحياكة في القصر، ليرى ثوبه العجيب الذي لا مثيل له ولا يراه أحد أبداً، فذهب كبير المستشارين فرأى محتالين يعملان بنشاط، لكنه لم يرَ الثوب إلا أنه تذكر، أن هذا الثوب عجيب لا يراه إلا الأذكياء، فعاد للإمبراطور، وأخبره أنه لم ير قط أجمل من نسيج هذا الثوب، وإستعلم منهما متى سينتهيان من حياكته.
أرسل الإمبراطور رئيس حراسه، فرأى الحائكين يعملان بإنهماك شديد لكنه لم ير الثوب، إلا أنه تذكر أن هذا الثوب لا يراه إلا الأذكياء، وكبير المستشارين كان قد رآه، فرجع لملكه يحدثه عن جماله وروعته، وأعلمه بموعد الإنتهاء في الموعد المحدد.
حضر المحتالان لقياس الثوب الجديد، فخلع الملك ثيابه، وتظاهر الحائكان أنهما يلبسانه ثوبه، ويضبطان قياساته، ووقف أمام المرآة يتأمل نفسه، ورغم أنه لم يرَ الثوب، لكنه تذكر أنه ثوب عجيب لا يراه إلا الأذكياء، وقد رآه كبير المستشارين ورئيس الحرس، فصاح: هذا ثوب بديع ما أجمل ألوانه! إنه أروع ثوب أرتديته، لا أكاد أشعر به من خفة وزنه، وأمر الإمبراطور بإقامة الاحتفالات في المدينة، ليلبس فيه ثوبه العجيب ويراه الشعب.
ما أن رآه الناس أخذوا يلوحون بالأعلام، ويهتفون بكلمات المديح، وليثبتوا لبعضهم البعض أنهم أذكياء، فإبتهج وراح يلوح بيده مسروراً، وفجأة من بين الجموع خرج صبي صغير، وأخذ يضحك وهو ينظر الى الموكب، وصاح بكل براءة وطفولة: الإمبراطور عارٍ، صعقت الحقيقة الجموع وعادوا لرشدهم، وصاحوا مع الطفل: الإمبراطور عارٍ الإمبراطور عارٍ.
طمس الحقائق بإدعاء ما لا نراه وما ليس فينا، أصبح اليوم أمراً طبيعياً، وكم نحن اليوم بحاجة الى طفل بريء يخرج علينا، ليقول لنا الحقيقة التي ضاعت من بين أيدينا ولم نعد نعثر عليها ، فنحن لم نعد نعرف حقا أين هي الحقيقة من السراب؟ وأين الحق من الباطل ؟ ومَنْ الظالم من المظلوم؟ لا يتصور أحدنا أنه قادر على الإستغناء عن مشورة الآخرين، وأنه يفهم كل شيء فمهما كان الإنسان عالماً وخبيراً في مجال ما، فقد تغيب عنك أشياء أخرى لا تتوفر لديك معلومات عنها.
المشورة والتشاور دليلان للعقل والتعقل، وفي معيار المشورة الطبقة الاجتماعية، وتتحكم بها طبيعة المواصفات الذاتية، والمعايير التي يجب توافرها في المستشار الحكمة، والخبرة، والرؤية، والحنكة، والشجاعة، والإنصاف، والموضوعية، والدقة، والتواضع، والإخلاص، وتغليب المصلحة العامة البعيدة عن العواطف، والأمزجة، والانفعالات.
إن تجربة حكم الإمام الخميني (رضوانه تعالى عليه) في قيادة الجمهورية الإسلامية في إيران، حيث عاد منتصراً بعد رحلة منفى طويلة ومعاناة كبيرة، لكنه تمكن من قيادة وإدارة الدولة، بشكل ترك بصماته الواضحة على الجماهير الإيرانية، والدول المجاورة، والدول الإسلامية، بل وحتى المجتمع الدولي، فقد ألغى كل ألوان التمييز، والطبقية، والإحتكار، وأشكال الصنمية، ومحورية الفرد الواحد، وألغى أصناف الإستبداد والدكتاتورية، وأمر بإحكام العدل، بقرارات تنسجم مع الفهم الإسلامي، وإعتماد مبدأ الخدمة وليس السلطة والرئاسة، ومع كل هذه المعايير، والأهداف، والممارسات، لم يجامل أحداً من حاشيته أو المقربين منه، بل كان على درجة كبيرة من الحرية، والحوار، والإحترام.
يا ترى ما نوع الأشخاص الذين كانوا يشغلون هيئة الشورى الإسلامية مع الإمام الخميني؟ وهل نستطيع أن نجد مثل هؤلاء الحكماء، ونقربهم من مواقع الحكم ليفيضوا علينا برؤاهم، وتحقيق أفضل ما يكون لشعبنا.
الأمر في القيادة والإدارة بالنسبة للعراق متعدد المكونات، والأطياف، والمذاهب، لا يختلف كثيراً عن الجمهورية الإسلامية في إيران، بل إنهما متشابهان الى حد كبير، ذلك أن إختيار أهل الحل والعقد والمشورة (الحاشية)، يجب ألا تكون وفقا المحسوبيات والمنسوبيات، فأبناء الإمام الخميني ليسوا بقليل، حتى لا يجعلهم يتصدرون المشهد السياسي بعده، لكنه على دراية تامة ورؤية واضحة، بأن الواقع السياسي يحتاج الى رجالات من نوع خاص ليديروا دفة الحكم، وأن مرحلته في الإنتصار للثورة الإسلامية، وترسيخ أسسها كانت تتطلب وجوده، أما وأنه قد بلغ الرسالة، فذلك لا يعني أن يورث السلطة لأبنائه.
ختاماً: مثل شخصية الإمام الخميني يجب أن يتخذ قدوة للناس، لا أن تمزق صوره من قبل أبناء الرفيقات، والمندسين، والناعقين مع كل ناعق، مزقوا الصور ولكنكم لن تمزقوا المبادئ والقيم.
https://telegram.me/buratha