المقالات

الوحدة والتحدي بين أهل الكتاب

2008 15:32:00 2006-06-22

( بقلم د.صالح الشماع )

موضوع الاستشراق ينتهي إلى الحديث عن اثر الشرق في الغرب واثر الغرب في الشرق: حضارياً وسكانياً وعسكرياً واقتصادياً وإعلامياً – أي فكرياً- ودينياً, أي الآثار المتبادلة بين منطقتين متجاورتين سلباً وإيجاباً شراً وخيراً. وفي كثير مما كتبه المستشرقون سابقاً نجد سلبيات بسبب العلاقات مع دوائر التبشير والاستخبارات والخارجية ثم هناك ردود فعل من جانب كتاب الغرب المنصفين كما هناك ردود فعل من جانب أبناء الشرق.

وإننا عندما ننظر إلى الوضع الحاضر وفي بداية القرن الواحد والعشرين نجد إن الاستعمار السياسي قد انحسر وان التبشير الديني على الرغم من وجوده إلا انه لم يعد ذا اثر لأنه اثبت عدم جدواه. لكن مازال أمامنا مشكل الأثر الإعلامي (الفكري) والمشكل الاقتصادي. وهناك الطامة الكبرى واعني بها الصهيونية بوجودها الاستعماري وبنشاطها العسكري وامتلاكها جميع أنواع أسلحة الدمار ويؤيدها في ذلك النفوذ الانغلوسكسوني (البريطاني – الأمريكي) بالمال والسلاح والإعلام الكاذب والسيطرة على ملكيات وإمارات وجمهوريات متخاذلة ومشاركة في الظلم بصورة أو أخرى, وبمشاركة دول أخرى لكل مصالحها الخاصة في معاونة العدوان.إن دول الشمال الغنية تريد أن تبقى على ثرائها, لان هذا الثراء ييسر لها استمرار مصانعها وجامعاتها وسطوتها العسكرية ولهذا نجد وقوفها في وجه أي تقدم حقيقي في بلدان الجنوب المفلسة على الرغم من إن بعض دول الجنوب بما لديها من المعادن الغزيرة, بترول وغيره, تستطيع أن تسبب انهيار كل شيء في الاقتصاد العالمي لو كانت لديها القدرة على السيطرة على ما لديها من معادن وعلماء وشباب.كلنا يعلم إن الولايات المتحدة قبل قرن تام من اليوم كانت تخشى الخطر الأصفر وكانت تعنى بذلك الصين, إلا إنها بعد ذلك وبسبب تعاظم خطر الصهيونية وظهور نفوذها التدريجي بعد وعد بلفور في الثاني من تشرين الثاني 1917 أخذت تصرخ بان الخطر الأكبر هو الإسلام والمسلمون, والخطر الثاني هو الخطر الأصفر. هذا مع العلم إن المسلمين لا عداء لهم مع المسيحية ولا مع اليهودية إطلاقاً.

لا يريد المسلمون فناء اليهود ولا يتمنون ما تمناه احد اليهود الذين تعاطفوا أولاً مع إسرائيل وذهب إليها ليخدمها, لكن بعد أن رأى المفارقات الملغومة التي يعيشها الناس في إسرائيل خرج من إسرائيل إلى غير رجعة وتمنى لها محرقة لثلاثة ملايين كتلك المحرقة التي اشتهر بها هتلر احرق فيها اليهود وغير اليهود. كلا – وعلى العكس من أمنية هذا اليهودي الناقم على اليهود نحن كمسلمين نقول إن أهل الكتاب جميعاً إن كانوا يؤمنون حقاً بالله واليوم الآخر ويعملون خيراً فإنهم مؤمنون شأنهم شأن مؤمني المسلمين.

إن الولايات المتحدة تحتكر حقوق السيطرة على الامم المتحدة وهي تهدد بنسف الأمم المتحدة إذا خالف احد رأيها وذلك إنها أقامت مبنى الأمم المتحدة في بلدها والعجيب إن أصوات الدول الضعيفة أي الدول النامية وهي الأغلبية الساحقة تشترى وتباع بالإيعاز والتهديد, أو بالترغيب والمشاركة بالأطماع وهذا كله بدعوى إن السياسة خداع. ودعوى إن أسلحة الدمار الشامل لا تكون إلا في أيدٍ ديمقراطية, وكنتيجة لذلك تعد اكبر دولة إرهاب واغتصاب في العالم وهي تمتلك أكثر من مئتي رأس نووي وأشرس الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية إنها دولة ديمقراطية, مع إنها تهدد باستمرار جيرانها العرب والمسلمين بأنها ستدافع عن نفسها في ارض مغتصبة بهذه الأسلحة المحرمة. إن هذه مغالطات عرفها الناس منذ زمان الرومان قبل أكثر من ألفي عام عندما جعلوا إن الحق للقوة. وبمبدأ الحق للقوة استعمر الغرب بلاداً في الشرق في القرنين الفائتين ونهب آثارها ومعادنها وخيراتها – حتى العلماء والمخطوطات والشباب الذي يملأ المعامل عندهم.

إنهم يسمون الإسلام إرهاباً هكذا ينسفون معاني الحق في كل تصرفاتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية. وبهذه المناسبة لو عرف المسلمون معنى الحق جيداً لنشروا في العالم مقومات الإخوة الإنسانية وسيكون في ذلك خير المسلمين وخير أهل الكتاب الآخرين أيضاً والناس أجمعين.نحن كمسلمين مطالبون بالدعوة ضد تخرصات الآخرين, إلا إن علينا أن نصحو من غفوتنا التي طالت وعلينا أن ننهض مادياً وروحياً, ففي ذلك وحدة خيرنا وخير الآخرين معاً. إن اصواتاً قليلة العدد تعلن في الغرب أهمية الدعوة للحق ولهذا نرى من يرفع صوته ضد أسلحة الدمار الشامل وتطهير العالم منها.

ولعل عدداً من كبار المستشرقين لا يزالون مغموطي الحقوق لدى المسلمين. هذا كراتشكوفسكي شيخ مستشرقي الروس في النصف الأول من القرن العشرين ترجم القران الكريم إلى الروسية ترجمة تفوق ما قبلها, وهو صاحب اكتشاف إن الجغرافيين الاندلسيين يسّروا مهمة اكتشاف أمريكا في 1492 على يد "امريكو" و " كولومبس". وهو صاحب فكرة إثبات وجود قيس بن الملوح مع إن أبا الفرج الاصفهاني صاحب الأغاني ينكر وجوده... وغير هذا كثير.وقبله نجد نلدكة في ألمانية في القرن التاسع عشر صاحب الكتاب الشهير " تاريخ القران" والذي ترجم إلى العربية مؤخراً لأهميته لدارسي القران الكريم.

ولدى الفرنسيين في القرن العشرين كوربان وماسينيون وبلاشير الذي ترجم القران إلى الفرنسية وهو صاحب كتابات رائعة في الأدب العربي. وهناك آسين بالاثيوس الاسباني الذي كتب كتابات رائعة عن ابن مسرّة وابن عربي. ونلينو في إيطالية, ونيكولسون واربرى في المملكة المتحدة. ولهذا الأخير أحسن ترجمة للقران الكريم في الإنجليزية وله عشرات الكتب ومن أهمها ترجمة "المواقف" و" المخاطبات" لمحمد بن عبد الجبار النفّرى وهما أصعب ما ألفه المتصوفة المسلمون والعرب.

وليس لأي من هؤلاء دخل كبير في شئون السياسة إلا نادراً. وكتابات النماذج المذكورة أعلاه نافعة جداً لمن يريد أن يقرأ عن الفكر الإسلامي والعربي عند أبناء الغرب. وكتابات أمثال المذكورة أسماؤهم أعلاه لا تقلل من الناحية العلمية من الإطلاع على الكتابات المغرضة المسمومة التي كتبها آخرون من أبناء الغرب ارضاءاً لأسيادهم من الحكام والمبشرين بالمسيحية أو تعبيراً عن جهلهم باللغة العربية وغيرها من اللغات الإسلامية وفي بعض الأحيان استعمل المستشرق المغرض أجادته باللغة العربية وسيلة إلى وضع فروض مغلوطة وإبطال حقائق ومثال على ذلك الأب الفرنسي لامنس صاحب كتاب "مهد الإسلام" وغيره من الكتب التي مجد فيها الأمويين, وتكلم بما لا يليق عن السيدة الزهراء(ع) وعن الإمام علي (ع). وفي تتمة قادمة نواصل عن الحديث إنشاء الله.

د.صالح الشماعرئيس قسم الفكر الاسلامي في الجامعة الاسلامية في النجف الاشرف

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك