قيس النجم
رجل ثوري بعيد كل البعد، عن حب الذات والدنيا، ذو خلق رفيع، وبنزعة روحية عميقة، في زمن يبست الضمائر، وقست القلوب على الأكثرية السكانية، فكان أبناؤه من الشيعة، في عزلة تامة عن القرار السياسي، لكن المرجع الديني السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)، بما يحمله من هيبة المتقين، وزهد المجاهدين في الحياة، إنتفض للدفاع عن حقوق الشعب المسلوبة، فمثل الجهاد ركناً أساسياً، للشهادة من أجل الكرامة والحرية.
سؤال مؤطر بالحزن والأسى: لماذا أسُتهدف السيد الحكيم، في بواكير المرحلة التأريخية للعراق، بعد سقوط الطاغية المقبور؟ والجواب يقفز سريعاً: (لأنه القائد صاحب التجربة الوطنية الثورية، في مقاومة أعتى الطغاة، في القرن العشرين، المتمثل بالطاغية، وجهازه البعثي الدموي)، نعم رغم روحه الثورية، فإنه يمتلك حكمة ودراية كبيرة، في إدارة سياسة ما بعد التغيير، ولهذا أمسى خطراً، لمَنْ يسعى ليقتات على الطائفية والقتل، وهم يعلمون أن موت الأحرار، والثائرين في هذا الوقت، يعني القضاء على الروح الحسينية الإصلاحية، وبقاء الشعب مستعبداً، لقوى الشر، والضلالة، والتمييز الطائفي والقومي.
إن مشروع شهيد المحراب، وتحرير الأبواب المغلقة، كان يعني للعراقيين، (حرية وعدالة وإستقلال)، شعاراً رفعه حين إستنتجه، من خرير مياه الهور، ورقصات قصب البردي، في أهوارنا الحبيبية، فقدمه لشعب عانى ما عانى، من ثقافة الموت، التي زرعها الطاغية وأزلامه، طيلة أربعين عاماً، من البعثنة والعفلقة، التي لم تأتِ بنتيجة تذكر على الشعب، ولم تترك أثراً على حياة الفقراء، إلا بالمزيد من الدماء والمفقودين، الذين دفنوا في مقابر جماعية مجهولة.
ارتسمت الفرحة في قلوب محبيه، وصار الأمل عنوانهم، في عودة شهيد المحراب، والأخذ بزمام الأمور في العراق الجديد، وسيما أنه أمسى رمزاً دينياً، مرجعياً وطنياً، يلتف حوله العاشقون للحرية، فقلوب اليتامى، وأبواب الرغيف، إنتظرت طويلاً لعودة أبن الإسلام البار، السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)، حيث كانت تمثل عودته، دليل نور، وتفاؤل لطريق الديمقراطية الجديدة، لكن الفرحة لم تدم، برحيله الى بارئه.
ختاماً: حياة إسلامية متحركة، بين الجهاد، والهجرة، والشهادة، قادها شهيد المحراب، فإمتلأ تأريخه سمواً، وشرفاً، وعنفواناً، أضاف الى كرامات، وبطولات آل الحكيم، ضد القمع والتسلط، وإن كان السيد محمد باقر الحكيم، قد غادرنا في رحلة الحياة الأبدية، على طريق سيد الشهداء، الإمام الحسين (عليه السلام) فإنه لم يرحل عن قلوبنا، وضمائرنا، فنحن أبناء الحكيم ومحرابه!
https://telegram.me/buratha