المقالات

مرحلة المكاشفة


عزيز الابراهيمي‎


تغنى الكثير من الساسة بثراء العراق وقدرته على رفع مستوى الرفاهية لأبنائه, فضلا عن محو خط الفقر من واقعه, معتمدين في كل ذلك على الثروات الطبيعية الموجودة في باطن هذه الارض التي شاء الله ان نكون ساكنيها, من دون ان يلتفتوا الى إن اكتشاف هذه الثروات, واستخراجها, ثم تصديرها والتحكم بأسعارها, هو شأن خاص بالشعوب التي تستثمر في عقول أبناءها وتدفعهم نحو العمل والإنتاج فرأس المال في العالم اليوم هو الذكاء البشري والموارد العقلية. 
إن ترويج ثقافة الاستهلاك وتخدير المجتمع بأمثال هذه الأفكار البائسة, لم تكن مقصورة على طبقة السياسيين, بل أصبحت أهزوجة الإعلام العراقي في البرامج التي يراد لها النجاح, إذ تلاقي هذه الأفكار رواجا وقبولا شعبيا كبيرا, ربما لأنه يحاكي أحلام جيل قد مل من الفقر والويلات, فأصبح حلم التمتع بالثروات من دون عناء التفكير بجهد العمل, مخدرا يلجئ إليه من آلام الماضي وعناء الحاضر وهم المستقبل. 
خيانة الأمانة هي الصفة التي تدمغ من أدار الدولة على هذا الأساس, لان المسألة لم تقتصر على الخطاب وحسب, بل أصبحت أداة للتكسب السياسي, من خلال ملء الدوائر الحكومية بآلاف من الموظفين الذين لا تحتاج اليهم تلك الدوائر, لا لشيء الا كسبا للأنصار وكأن الحكومة ضيعة للوزراء ورئيسهم يتصرفوا بها حيث شاءت أهوائهم الضالة .
اتخمت جيوب الكثير, وتفشى الفساد في مرافق الدولة, وقل الإنتاج, وأصبحت أكثر الدوائر الحكومية عبارة عن؛ مقاهي لشرب الشاي, وتناول الخبز مع الجبن(المستوردين) عند الساعة العاشرة, وحل للمشاكل الاجتماعية, وزيارة للفواتح, والإعراس, وإحراق ما تبقى من ساعات في الحديث في شؤون السياسة, والأمل في زيادة متوقعة للرواتب, قبيل الانتخابات الدورية (التي أصبحت هي الأخرى حملا ثقيلا على كاهل هذا الشعب المسكين, لضخامة كلفتها). وليس لأحد لوم هؤلاء, لأنه في الحقيقة لا عمل لهم كي يمارسوه, لضخامة الكادر الموجود وحالة التواكل المتفشية نتجية ذلك, وعلى أي مدير إن أراد الاستمرار في موقعه, أن يقر هذه الممارسات, وإلا أصبح خائن مشكوك في نزاهته وقدرته الإدارية .
العراق شعب فقير, لأنه لا يملك شيء يؤهله للتقدم(إلا بقايا من إرادة نائمة ), هذه الحقيقة التي ينبغي أن نقر بها, إلا اللهم فتات ما يتبقى من أجور الشركات النفطية, التي هيمنت على اكبر الحقول النفطية, عندما أراد الحمقى أن يسلقوا لهم نجاحا في مستنقع الفشل الذي كانوا ساقطين فيه, فتناسوا إنهم يتفاوضون مع شركات تمتلك إمكانية معرفة وزن ما يجتروه من طعام, ومقدار ما تمتصه أجسامهم, وما يطرحوه, فأصبح ذلك الفتات بالكاد يسد أفواه العراقيين من خطر مجاعة كبيرة, هي بالأبواب عند أي طارئ دولي يمنعنا من شراء الحنطة, التي كان أجدادنا في الثلاثينيات يحيرون في كيفية تصديرها .
العراق شعب فقير, لان زراعته تلاشت, كما انهارت صناعته, وتراجع تعليمه .
العراق شعب فقير, لأنه فقد ما اكتسبه طيلة الفترات السابقة من قدرة تصنيعية, وتقنية, تمكن من حيازتها وان بطريقة مشوهة .
العراق شعب فقير, لان هناك نزف لعملته الصعبة, وهجرة لرؤوس أمواله, لتستثمر في دول إقليمية, وتنتشل عمالة تلك البلدان من وحش البطالة, بينما يبقى أبنائه بين فكي ذلك الوحش الكاسر.
العراق شعب فقير, لان الكثير من ساسته يوهموه انه شعب غني, حتى لا يتسائل عن مدى ثراءهم الفاحش, الذي حازوه بامتيازاتهم الخيالية, بينما يئن الملايين من البطالة والفقر.
العراق شعب فقير, لأن أردة العمل والمبادرة عطلت تحت وهم الدولة الغنية, والسعي وراء حلم التوظيف الحكومي.
العراق شعب فقير, لان الحاكمين لا يريدون التخطيط لزراعة ثمرة لن يكونوا من حاصديها, فيفضلون تقديم الوجبات السريعة, حتى وان كانت بأغلى الإثمان, وعلى حساب الأجيال القادمة .
وأخيرا قد ينبري احدهم ليصف ما تقدم بأنه ضرب من السلبية, فنقول له؛ نعمت السلبية التي تستنهض الهمم, وتوقظ الضمائر النائمة, وتبين لنا إن الثراء والتقدم هي ليس ببعض العناصر في باطن الأرض لا نملك مفاتيح استخراجها, وليس في انهار لا نستطيع إيقاف تدحرج مياهها نحو البحر, إنما التقدم هو بالإنسان المفكر القادر على استثمار عقله في صنع قوته, وما يحتاجه, وتسخير طبيعته, ولا يكون ذلك إلا بأن يعرف الإنسان موقعه من العلم, والمعرفة, ولوازمها, ومعرفة موقع بلاده من بين بلدان هذه المعمورة, فكم من ايجابية في التفكير تخدر الهمم, وكم من سلبية تعطي للإنسان همة المستميت

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك