احمد لعيبي
لم اكن اتوقع في يوم من الايام ان حظي العاثر سيوقعني بموقف كانت عشر رصاصات في الساتر اهون منه وانا البس بدلتي باتجاه عرس احد الاقارب ليستوقفني صديق بمنتصف الشارع وهو يحمل بيده كيسين كبيرين وبعض الألعاب وطلب مني ان اوصله الى عوائل شهداء ينتظرونه هم وصغارهم ..
رحبت بالفكرة وقلت له ان لدي متسع من الوقت لإيصاله للعائلتين وما هي الا دقائق حتى وصلنا الى اول عائلة وهي تسكن احد بيوت العشوائيات في اطراف العاصمة بغداد ..
ولأني اعرف اني جبان جدا امام نظرات الايتام بقيت واقفا بالباب بعيدا عن منزل عائلة الشهيد بينما انزل صاحبي أكياسه الى العائلة ..
خرج الينا شاب في منتصف العشرينات ورجل كبير بالسن وسلما علي وقد بدا وجه كل واحد منهما شاحبا ومهموما والبياض منتشر في شعر ولحى كلٍ منهما ..
وبينما انا اتحدث مع الشاب واذا بطفل صغير يفتح باب الدار ويأتي مسرعا صوبي ويحتظنني وهو يناشغ ويبكي بحرقة ومرارة ..
حاولت ان اسكته لكنه بقي يبكي بصراخ عال فافترشت الارض معه واحتظنته وبدأ يقول لي (ألم تقل لي انك ستأخذني للالعاب وواعدتني بالذهاب الى المطعم وان تأخذني معك للزيارة ..انا لا اريد هذه الالعاب ولا اريد منك شئ..انا زعلان منك )..
حاولت مجددآ ان اقنع الصغير بالسكوت وظننت وهو يحدثني ان فيه مرض نفسي كالتوحد او غيره
ولكن ذهبت كل محاولاتي سدى عندما امسكني الصغير بكلتا يديه من رقبتي ...
همس الشاب الذي كان واقفا الى جانبه وهو عمه الاكبر ليقول لي بصوت مخنوق (استاذ اعذره ..انت نسخة طبق بالاصل من ابوه اللي استشهد وترة عباله انته هوه)..!!ياالله ..يالله ..ارتعدت مثل حمامة مذبوحة وانا احمل الصغير الى داخل البيت وهو يبكي تارة ويضحك اخرى وكل من حولي هرب من البكاء وبقيت انا معه ابكي بصمت واضحك لضحكته ..كان في حركة دخان رصاص يخترق قلبي وروحي ..ما هذا يارب ..اي موقف انا فيه ..
وبقيت على هذا الحال اكثر من ساعتين حتى تعب الصغير ونام ...
وبصعوبة اخرجت يده الصغيرة من حظني بعد قبلتها وغسلتها بدمعي ..
وما ان خرجت الباب وصعدت السيارة لم اتمالك نفسي ومزقت حتى ملابسي لولا صديقي الذي شاركني المنظر والعزاء ..
كان يومآ قاتلآ مت فيه قبل موتي ..وبقي ندبة بروحي فلم استطع بعدها الذهاب للصغير ..
ما هذا العراق يارب ..مهبط رأس الحزن واليتم ..
ما بال ارواحنا تتناثر فوق ارضه وتحتها مثل حبات المطر ..ولماذا نداس بالاقدام كلما حان موسم للحصاد..
الى متى تبقى مناجل ارضنا بيد غيرنا ؟.
انا لله وانا اليه راجعون..
https://telegram.me/buratha