احمد لعيبي
كان صوت الرصاص يشبه الحلوى عندما تتناثر في ليلة عرس وكان الثلج يغطي الارض مثل ثوب عرس وكانت رائحة البارود تشبه عطر طفل مولود في يومه الاول ..
كان حيدر يمسك بندقيته ويمسك هاتفه وفيه اغنية بلا موسيقى يقول منشدها((موتني وياك شهكَات العِتب...ومن قريتك تسامر بروحي النشد مدري شعجب..!!..ياللكَيت وياك كلشي ...يالتمشيت اعله رمشي ..الدنيا تنزف من عثكَها ومامش ارويحة رطب ...ها يخير ..ها يخير وين غافي بيا شليل ..ها يخير ووين صرت بيا بخت عنبر سبيل ..ماني كَد ما مشتهيك عيني صحرا وشوفي خيل ...!!)).
كان حيدر يعيد الاغنية مرات ومرات رغم الرصاص ووحشة الليل ..حتى أصابته رصاصة في كتفه الايمن وبدأ المعالج يقدم له إسعافات اولية تستدعي اخراج الرصاصة دون مخدر وكان صوت الهاتف بهذه الاغنية هو المخدر الذي يملأ اركان قلب حيدر ذلك الشاب الجنوبي الذي يمتلأ سمارآ وملوحة ..
كان المعالج يسأله عن سر الاغنية محاولآ اشغاله عن ألم الرصاصة فقال حيدر وهو يبتسم وعيناه مملوءة بالدمع ..(كنت لا اصلي ..لكني لم اقف يومآ في وسط الشارع لأعاكس إمراة حتى شاهدتها وهي ترتدي بدلتها البيضاء في كلية الطب واذا بقلبي يدق مثل الراجمة التي تدك الدواعش ..لم اعرف مالذي حصل لي ..كنت في كل يوم اجلس صباحا لكي اراها وهي تذهب لكليتها ولم انطق بكلمة حتى جاء يوم وسمعت انها مخطوفة مع زميلات لها في طريق مدينتنا الموحش ..ركبت دراجتي وركضت مثل المجنون وكان اخوتها يركضون معي ووصلنا وسط الطريق وكانت سيارة الخاطفين قد تعطلت ..وقفت قبل اخوتها امام الارهابين وقلت لهم خذوني بمكان هذه الفتاة او اقتلوني واتركوها مع زميلاتها..
طلب احدهم دراجتي والفتاة ويطلق الباقيات وعندما يبتعد سيتركها فقلت له اترك البنات وخذوني معكم بالدراجة حتى لو تربطوني بحبل ..
كان احد الارهابيين مرتبكا فسحب اقسام بندقيته وهم بقتل البنات فرميت نفسي امامها واصابتني رصاصة كنت سعيدا بها ..وهرب الارهابيون وتركوني ملطخا بدمي وعلم والد الفتاة فقرر ان يكرمني فقلت له ..انا اريدها هي ..!! في هذه اللحظة رفض والدها قائلا لي ان ابنته تدرس الطب وانت فلاح فقير بالكاد تقرأ وتكتب ...
عرض علي ارضا ومزرعة وماشية ولكني رفضت .ولما هممت بالخروج .
طرقت الفتاة باب مضيف والدها وقالت له..
(لو خيروني بين الف طبيب وهذا الشروكي لن اقبل بهم يا والدي ..انا اريد من فداني بدمه وليذهب الطب والكلية الى الجحيم...!!)
في غضون شهر تزوجتها بعد ان تسهلت الكثير من الامور واصرت علي ان اكمل دراستي وهي تكمل دراستها وفعلا من اجلها درست وامتحنت ونجحت ودخلت كلية مسائي وتخرجت هي من كلية الطب وبدأت تمارس الطب بمستشفى المدينة ..
وفي فتوى الجهاد ذهبت للقتال من اجلها ومن اجل ولدينا ومن اجل الارض والعرض والمقدسات ..
كانت تتصل بي كثيرا وكنت اخبرها ان اغلب جنودنا يستشهدون متأثرين بجراحهم لعدم وجود اطباء ميدانين..فقررت ان تأتي للجبهة وتعمل كرفان مستشفى مصغر للعمليات الصغرى وعلاج الجروح
وفي ليلة ماطرة دخلت اسعاف مفخخة للمستشفى ولم نعثر على جثمانها الطاهر ..
كنا في كل يوم نستمع الى هذه الاغنية ياللكَيت وياك كلشي ...ويالمشيت اعله رمشي ..!!
رحلت وهي كانت لي الحياة وتركت في قلبي ندبة وفي روحي جرح وفي جسدي علامات فارقة..
هذا الجرح نفسه جرحي الاول الذي انقذتها به وصار مهرآ لزواجي ..ليتني اجرح او اموت وتعود لي من جديد..ليت جرحي ثمنآ لعينها..
احمد لعيبي
https://telegram.me/buratha