المقالات

التدمير الذاتي للنفس

2033 2019-02-05

محمد آل عيسى

 

إن من حكمة الصانع أن جعل فيما خلق القابلية على المعالجة عند طروء الفساد. 

فإذا أخذنا الإنسان والحيوان مثلاً سنجد أن الجرح يلتئم ,والعظم الكسير ينجبر , ويدافع الجسم عن نفسه ليحارب أي فساد يعتريه. 

كما نجد ذلك في النبات ,فما إن اعترى بعض أغصانه التلف, حتى قام بتفريع أغصان أخرى وتوريق أوراق أخرى ليعوض التالف , وهكذا الحال مع أي نقص يطرأ في الغازات والعناصر فبيئة الأرض وقوانينها التكوينية كفيلة بالمحافظة عليها من الخلل في التوازن من خلال دوراتها في الطبيعة. 

وما خالف قوم نواميس الطبيعة حتى بوغتوا بما يصدهم من ألوان الدفاع ليدرأ الخلل في توازن النظام العام لهذه النشأة . 

ومن واسع رحمته أنه لم يستثن النفس الإنسانية من ذلك فجعل فيها القابلية على تشخيص الفساد الحالّ فيها والقابلية على معالجته من داخل النفس وخارجها 

فالقابلية الأولى تكمن في الدوافع والميول وحتى المعقولات الفطرية التي زودت بها النفس الإنسانية والتي من خلالها يستشعر الإنسان إصابة نفسه بالفساد تصاحبها التنبيهات الخارجية المتمثلة بالصلحاء والهداة والشرائع الحقة 

والقابلية الثانية هي قابلية العلاج والتي تتمثل بإدراكات النفس العقلية وإمكانية تفعيلها داخل نفسه يصاحبها الدعم الخارجي المتمثل بما ذكرنا. 

وبما أن عالمنا هو عالم التزاحم على المنافع فإن النشأة السليمة للنفس الإنسانية تقتضي رفض الاستعباد بل حتى التسخير الباطل للآخرين . 

فيكون النمو الصالح للنفوس مزاحماً لغيرها . . والمفروض أن هذا التزاحم هو أمر طبيعي يتقبله الجميع . . ويلتزم الجميع بدستور واحد عادل يضمن العدالة للجميع دون استثناء ويخضع له الكل 

ولما لم تكن جميع النفوس راضية بما يفرضه القانون العادل وتطمع فيما ليس لها فإنها تلجأ الى التمكن من نفوس الغير بالاستعباد والتسخير الباطل لتنتفع وتصل لمآربها بهذه الطريقة ,فتتوجه لتحصيل ذلك من خلال الإفساد الأولي المتمثل بتهييج مكامن الرغبات الإنسانية غير المحدودة والتي لا تصل الى حالة الشبع إطلاقا للتمكن من إشغال النفس إشغالاً دائمياً متعباً لها وهنا يأتي يبدأ فساد النفس الأولي. 

ولكيلا تتمكن هذه النفس من إصلاح نفسها وفق السنن الطبيعية لابد أن يتم تدمير جهاز المناعة لديها أيضاً من خلال منع وصول الدعم الخارجي لها بتشويه صورة الهداة والصلحاء والشرائع فتنفرد النفس المصابة في ساحة الدفاع وحدها ثم الترقّي لتدمير المعقولات الفطرية والميول الفطرية لهذه النفس كي تفقد قابليتها العلاجية الذاتية بل لتستمر في تدمير ذاتها وتصل إلى مرحلة التدمير الذاتي أو الفساد المتقدم لتنتقل الى مستعبد مخلص لا يرضى بتدمير نفسه فحسب بل يتوجه لتفسيد الآخرين وفق نفس المنهجية . 

وهذا ما نمر به من خلال عدة استراتيجيات ممنهجة ومدروسة ومحكمة في تخطيطها وتنفيذها تعمل على ضرب جميع مفاصل الإصلاح الحقيقي واستبداله بالزائف وتشويه صورة المعارف الحقة لضمان عدم فاعليتها وهكذا. 

وما نحتاجه هو خطة بديلة ومعاكسة تتبنى استنهاض المناعات الذاتية في النفوس لتعالج نفسها متخلصة مما حل فيها من الفساد وطرأ عليها من الخلل. 

وبالتأكيد فأن عملية المعالجة أبطأ من عملية التدمير وانهيار النفوس أسرع من شفائها لكن هذا لا يعني استحالتها , بالعكس قد تأتي بعض الخطوات الصحيحة منها بنتائج مذهلة وغير متوقعة بسبب التأييد الغيبي لها. 

محمد مكي آل عيسى 

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك