محمد آل عيسى
إن من حكمة الصانع أن جعل فيما خلق القابلية على المعالجة عند طروء الفساد.
فإذا أخذنا الإنسان والحيوان مثلاً سنجد أن الجرح يلتئم ,والعظم الكسير ينجبر , ويدافع الجسم عن نفسه ليحارب أي فساد يعتريه.
كما نجد ذلك في النبات ,فما إن اعترى بعض أغصانه التلف, حتى قام بتفريع أغصان أخرى وتوريق أوراق أخرى ليعوض التالف , وهكذا الحال مع أي نقص يطرأ في الغازات والعناصر فبيئة الأرض وقوانينها التكوينية كفيلة بالمحافظة عليها من الخلل في التوازن من خلال دوراتها في الطبيعة.
وما خالف قوم نواميس الطبيعة حتى بوغتوا بما يصدهم من ألوان الدفاع ليدرأ الخلل في توازن النظام العام لهذه النشأة .
ومن واسع رحمته أنه لم يستثن النفس الإنسانية من ذلك فجعل فيها القابلية على تشخيص الفساد الحالّ فيها والقابلية على معالجته من داخل النفس وخارجها
فالقابلية الأولى تكمن في الدوافع والميول وحتى المعقولات الفطرية التي زودت بها النفس الإنسانية والتي من خلالها يستشعر الإنسان إصابة نفسه بالفساد تصاحبها التنبيهات الخارجية المتمثلة بالصلحاء والهداة والشرائع الحقة
والقابلية الثانية هي قابلية العلاج والتي تتمثل بإدراكات النفس العقلية وإمكانية تفعيلها داخل نفسه يصاحبها الدعم الخارجي المتمثل بما ذكرنا.
وبما أن عالمنا هو عالم التزاحم على المنافع فإن النشأة السليمة للنفس الإنسانية تقتضي رفض الاستعباد بل حتى التسخير الباطل للآخرين .
فيكون النمو الصالح للنفوس مزاحماً لغيرها . . والمفروض أن هذا التزاحم هو أمر طبيعي يتقبله الجميع . . ويلتزم الجميع بدستور واحد عادل يضمن العدالة للجميع دون استثناء ويخضع له الكل
ولما لم تكن جميع النفوس راضية بما يفرضه القانون العادل وتطمع فيما ليس لها فإنها تلجأ الى التمكن من نفوس الغير بالاستعباد والتسخير الباطل لتنتفع وتصل لمآربها بهذه الطريقة ,فتتوجه لتحصيل ذلك من خلال الإفساد الأولي المتمثل بتهييج مكامن الرغبات الإنسانية غير المحدودة والتي لا تصل الى حالة الشبع إطلاقا للتمكن من إشغال النفس إشغالاً دائمياً متعباً لها وهنا يأتي يبدأ فساد النفس الأولي.
ولكيلا تتمكن هذه النفس من إصلاح نفسها وفق السنن الطبيعية لابد أن يتم تدمير جهاز المناعة لديها أيضاً من خلال منع وصول الدعم الخارجي لها بتشويه صورة الهداة والصلحاء والشرائع فتنفرد النفس المصابة في ساحة الدفاع وحدها ثم الترقّي لتدمير المعقولات الفطرية والميول الفطرية لهذه النفس كي تفقد قابليتها العلاجية الذاتية بل لتستمر في تدمير ذاتها وتصل إلى مرحلة التدمير الذاتي أو الفساد المتقدم لتنتقل الى مستعبد مخلص لا يرضى بتدمير نفسه فحسب بل يتوجه لتفسيد الآخرين وفق نفس المنهجية .
وهذا ما نمر به من خلال عدة استراتيجيات ممنهجة ومدروسة ومحكمة في تخطيطها وتنفيذها تعمل على ضرب جميع مفاصل الإصلاح الحقيقي واستبداله بالزائف وتشويه صورة المعارف الحقة لضمان عدم فاعليتها وهكذا.
وما نحتاجه هو خطة بديلة ومعاكسة تتبنى استنهاض المناعات الذاتية في النفوس لتعالج نفسها متخلصة مما حل فيها من الفساد وطرأ عليها من الخلل.
وبالتأكيد فأن عملية المعالجة أبطأ من عملية التدمير وانهيار النفوس أسرع من شفائها لكن هذا لا يعني استحالتها , بالعكس قد تأتي بعض الخطوات الصحيحة منها بنتائج مذهلة وغير متوقعة بسبب التأييد الغيبي لها.
محمد مكي آل عيسى
https://telegram.me/buratha
