مهند ال كزار
أنتجت دواوين أهلنه( المظايف)، كثير من المواقف والعبر، التي تدرس الى يومنا هذا رغم بساطتها، الا اننا نعتبرها مدارس خارج إطار الدولة.
يكفيني فخراً ان أكون أحد تلامذة هذه المدارس، فلا زال والدي ينهض صباحاً ليجهز (الكهوه)، بطابعها الجنوبي المر، وينتظر الأعمام والجيران لجلسة الصباح اليومية.
اجلس وانا احاول ان احفظ سيل المعلومات والقصص والأمثال، التي يضربوها لكل فعل وردة فعل، والتي تنم عن ثقافة وقوة حفظ عاليتين، تكاد تكون عجيبة.
يستذكرون الشيخ حمد ال حمود، وعلي ال صويح، وحجي ثجيل ال منخي الذي كان ينقل بطولات الشجعان من أبناء عمومتي، أمثال العم عزيز ال زنگي، والعم خضير ال محمد، والعم محمد ال صجاج.
أتذكر في أول أيام عيد الفطر، وانا جالس في باب ال( المظيف)، الذي أمتلئ بمناسبة العيد، صاح والدي بصوتً عالي ؛ رحم الله من قرء صورة الفاتحة على روح الحاج حميد .
عندما خرج المهنئين والضيوف، هم والدي لكي يرتاح قليلاً، وقد غلبني الفضول، وأستحضرني سؤال ؛ لماذا ذكر والدي الحاج حميد في هذه المناسبة؟ ولماذا هو بالذات؟.
سألت والدي عن هذا الموضوع، فقص علي قصة الحاج حميد الذي كان رجل كبير في السن، أمتاز بطيبة الأخلاق، وحسن الهندام، الا ان الله سبحانة جعل كل ذريته من البنات.
قبل عيد الفطر بيوم واحد، ذهب ليقضي حاجه أحد الأشخاص عند عشيرة معينة، عندها حصل خلاف بسيط بينه وبين أحد أبناء تلك العشيرة، فقام بدفع الحاج حميد حتى أوقع ( عگاله ).
خرج الحاج حميد، والهم يملئ قلبه، والحزن يثقل كاهله المتعوب، وحسن أخلاقه هو من جعله لا يرد على ذلك الشخص لا الخوف، ولانه تربى في مدارس الطيبة الجنوبية.
في صباح اليوم التالي، والذي صادف أول أيام عيد الفطر، وهي كالعادة تتجمع الأعمام والجيران، في ذلك المظيف، وسط جو من الفرح، الابتسامات، دخل الحاج حميد مهموم، وإلا كثر من ذلك قد لبس الشماغ بدون( العگال ).
ساد الهدوء وخيم الظلام في الصباح الباكر، وتقدم جدي ( ابو والدي )، صاحب المظيف نحو الحاج حميد وقال له بالحرف الواحد؛ أنت ابو كاصد، ما تظلم، وما تطلع من عندك الموزينه، والي يجاوز عليك ترده بأخلاقك وطيبة گلبك، أنت ألبس عگالك والسواهه ما يكمل عيده.
حل الصباح من اليوم الثاني لعيد الفطر المبارك، ونهض الحاج حميد على أصوات ال إطلاقات النارية وحناجر المهاويل التي تردد ؛
( ثارك وفيناه حميد عيد )
خرج الحاج حميد من البيت، ووجد من أسقط ( عگاله )، مكتوف الأيدي وجالس على ركبتيه، وهو ينظر بعين الخوف، وينتظر ما يمكن أن يحل به بسبب الفعل الشنيع الذي أرتكبه .
تقرب جدي أبو والدي من الحاج حميد، والبسه (عگاله)، وقال له؛
كل عام وانت بخير وعيد فطر سعيد عليك أبو گاصد
تقرب ابو گاصد من الرجل وقال له؛ انت فعلت ما لا يمكنني أن أفعله لك، واعتقد أنت الان متخوف من الذي سوف يحصل لك، لكنني أبن الـ( المظيف )، ولا يمكنني أن اعكس الا صورة أخلاقي، وتربيتي، التي تعلمتها في تلك المدرسة، وسوء أخلاقك لا تعني أن أتعامل معك بالمثل.
لذلك من باب القوة والسيطرة من جانبي، وضعف حالك وقلة حيلتك تجعلني أقول لك اذهب ولا تفعلها مع غيري لانها عادة خارجة عن الأخلاق التي تربينا عليها.
خلاصتي هي ؛ هذه القصص والمواقف تعلمناها من مدارس الـ( المظائف )، البسيطة والفقيرة، التي تمنح شهادة عليا في الأخلاق، وحسن السيرة، من أهل الـ( عگل )، المنغمسين بحب الطين والبردي، ومنهم أحببت الـ( عگال )، حتى أصبحت أنتظر أن أبلغ الثلاثين من العمر لكي أتشرف واضعه فوق رأسي.
https://telegram.me/buratha