رضاب عبد الرزاق السعيدي
ليس من السهل أن نتحدث عن السيّدة الشهيدة آمنة الصدر ( بنت الهدى ) سليلة الدوحة المحمّدية بما تمتلك من خصائص جعلتها تتجاوز عصرها ومجتمعها لتكون ظاهرة استثنائية فيما نعرف من مقاييس التقييم المألوفة .
وحينما أقول إن بنت الهدى ( ظاهرة ) لا أعني لوناً من الإحترام والإعتزاز والوفاء لشهيدة العصر ، حفزني عليه ما أحمل لها في نفسي من احترام وتقدير لمختلف جوانب حياتها ، خاصة هموهما الإسلامية ، ووعيها المتميز ، وإدراكها الدقيق لكل فصول الصراع والمواجهة بين السلطة البعثية والمرجعية الدينية إدراكاً واعياً سبقت به كيانات كانت تعتبر رائدة في هذا المجال.
إن مسيرة الشهيدة بنت الهدى تؤكد تلك الحقيقة بما لا يدع مجالاً للشك فهي تشبه أخاها في أنها عاشت في زمان غير زمانها وبيئة غير بيئتها ومجتمع لم يقدّر أهمية هذه الشخصية الفذة في تاريخنا المعاصر .
إنها ( ظاهرة ) في سلوكها الشخصي وأخلاقها الفريدة التي يشعر كل من يعرفها بإنها بعيدة عن الرياء والتصنع.
( وظاهرة ) في تفانيها لأجل دينها وأهدافها الإسلامية التي جعلتها تعزف عن الكثير من حقوقها في الحياة ومنها حق الزواج ، وتفضّل حياة العزوبة التي وفرت لها المزيد من التفرغ للعمل من أجل خدمة إسلامها العظيم.
( وظاهرة ) في جهادها بمختلف أشكاله والوانه ، قولاً ، وكتابة ، ومواجهة للسلطة.
( وظاهرة ) في التصميم على إكمال المسيرة حتى الإستشهاد في سبيل الله عز وجل
ومن الادوار التي قامت بها الشهيدة (رحمها الله ) هو الربط بين المرجع والمراجعات
كان للسيدة الشهيدة دور كبير في الربط بين سيدنا الشهيد وبين القطاعات النسائية ، فكانت تنقل بأمانة ما يعرض للنساء من مسائل فقهية قد يترددن بسبب الحياء من توجيهها إلى السيد الصدر مباشرة ،تعينها في ذلك بعض الأحيان السيدة الطاهرة أم جعفر ـ حفظها الله بحسب المناسبة وطبيعة الموضوع .
ولم يكن هذا فقط فقد كانت مهتمة بكل القضايا التي تشغل الساحة ومنها القضايا السياسية والثقافية واخصها بالذات خطوات الحزب الحاكم وحكومة البعث للسيطرة على المجتمع النسوي من خلال اطروحات وقنوات أعدتها كأتحاد النساء والطلائع والفتوة والجمعيات النسائية وأمثالها ، وكان أهم تلك القضايا هو مسألة الإنتماء لحزب البعث كشرط فرضته السلطة للقبول في المؤسسات والجامعات أو التوظيف الحكومي .
إن هذه المشكلة كانت من الهموم الثابتة في قاموس الشهيدة بنت الهدى فهي تعرف معنى إنتماء المرأة لحزب البعث وما يتبعه من إلتزامات ومظاهر تسخط الله تعالى ، وتعرف كذلك ما تعنيه استقالة الموظفة المسلمة المؤمنة التي ترفض الإنتماء لحزب البعث . وما يسببه لها من مشاكل مادية ومحاسبة أمنية ، إذ إن عدم الانتماء يعتبر جريمة كبيرة ، فلا حياد فإما معي وإما ضدي ، وهذه هي لغة السلطة الحاكمة في العراق واسلوبها .
وكان للسيدة عدد من المؤمنات ممن كن قد انتمين إلى حزب البعث إنتماء صوريا في زمن لم يكن يعرفن إن الانتماء حرام ، فكن ينقلن للشهيدة تفاصيل ما يجري في الحزب من مخططات ومؤامرات يحوكها ضد المرأة العراقية والمتدينات منهن على الخصوص ، وكانت الشهيدة تنقل ذلك للسيد الشهيد بدقة .
وبهذا الصدد تقول السيدة وجيهة الصيدلي وهي مديرة لمدارس الزهراء عليها السلام في مقال لها عن أمثال هذا النشاط ما يلي :
" يخطئ من يقول أو يظن إن الشهيدة اقتصر عملها على التوجه التربوي والاجتماعي بل كانت تعمل في المجال السياسي بشكل واع ودقيق لظروفها والمرحلة التي تعيشها ، حيث كانت تتحرك ضمن رؤية واضحة المعالم فكانت تقوم بشرح الموقف السياسي المطلوب آنذاك لجميع من يعمل معها وتعبئة النساء على مقاومة النظام ومخططاته وأساليبه التي تدعو وتضغط على النساء عموما بالإنخراط لحزب البعث ، وبالتالي التخلي عن القيم والمفاهيم الإسلامية ، وساهمت في تربية المرأة على الورع عن محارم الله تعالى ، وفي تكوين الروح الجهادية ضد أعداء الإسلام ... "
وكانت السيدة الشهيدة تستمد رؤيتها السياسية النهائية من السيد الصدر نفسه ، وكانت في أحيان كثيرة تناقش المواضيع والأحداث معه بصراحة ووضوح ، وكان ـ رحمه الله ـ يستمع إليها بدقة ويحترم وجهات نظرها .
رحمها الله وحشرها مع اخيها
https://telegram.me/buratha
