قيس النجم
هناك مشاريع ولدت من بين أعواد المشانق شعلتها لا تنطفئ أبداً، كانت جسراً يلتقي عليه الشهداء الإحياء، وهم عنوان البطولة والتضحية، حين نذروا أنفسهم للمقاومة ضد القمع والظلم والإستبداد، وبما أن الناس في الدنيا بالأحوال وفي الآخرة بالأعمال، فقد جُبِلَ فتية آمنوا بربهم أقدامهم متعبة وضمائرهم مستريحة، لأنهم حملوا مشروع الحرية بقلوبهم أما الشهادة أو النصر.
القيادة كفاءة وشجاعة ورجال صالحون، وليست جاهاً أو سلطة أو نفوذاً، والأوائل الثلاث متوفرة في رجالات إنتصروا للوطن والمواطن ضد الطاغية، إثر تلبيتهم لنداء السيد محمد باقر الصدر (قدس)، وإستشعاراً منهم بحق العراقيين في الكرامة والحرية، فأمسوا نعم الأصحاب والأتباع.
التحولات السياسية الخطيرة التي طرأت على الساحة العراقية، بعد إعدام السيد محمد باقر الصدر(رض)، أنبأت عن تحديات أخطر وأكبر، بسبب خلو الساحة من فرسانها، خاصة وأن الحرب والحصار، أذهب بالعراق نحو الأسفل، وبات الخوف يعصف بالكثيرين، وسط عواصف ودموع المهجرين، والمقابر الجماعية والمفقودين، مما جعل قلة من رجال الصدر ان يكملوا مسيرتهم الجهادية بكل شموخ، نحو اكمال مشروع الحق والحرية الذي تبناه السيد محمد باقر الصدر(رض).
الإبداع في المقاومة والجهاد، وبظل أوضاع الفوضى، والخوف، والجوع أمر يتطلب الحذر والفطنة، ففي العراق كانت هناك قضايا كبيرة تلسع أهلها الأبرياء بقوة، وهي تتوهج تحت الأرض، وجاء اليوم لتعلن سقوط الصنم ونهاية الدكتاتورية، حيث كان نهارنا إرهاب ومساؤنا قمع، ولكن أصرانا وايماناً بأن الحق طريق موحش، وقليل هم سالكيه كما قال أمير المتقين، فكان صبر الشعب يستمد من صبر السيد محمد باقر الصدر قوته.
إنتهاكات كثيرة حصلت بحق العلماء الأجلاء من طغاة السلطة، لطمس معالم هوية المرجعية الدينية، وفصل الدين عن السياسة، وعزل الشعب العراقي عن القرار السياسي، وعدم المطالبة بحرياته وحقوقه، وبادروا في زراعة ثقافة الإرهاب والدم، ومحاربة الوجود الإسلامي، ليحوله لمجرد تراث يحظى بالتقدير والتقديس فقط، لكن مشروع السيد الصدر ظل شعلة منيرة يحملها القليلون من أتباعه الاوفياء، فحطموا فكرة المؤامرة من خلال رجال وقادة من طراز لا يتكرر، مثل شهيد المحراب باقر الحكيم (رض).
ختاماً: لم يكن الشهيد السيد محمد باقر الصدر (رض) يبحث عن جاه أو منصب، بل كان يحمل رسالة أمدادا لرسالة الامام الحسين عليه السلام، كي تعلمنا أن الإنسان يمكنه تغيير حياته، إذا ما إنتصر على ملذاته، وجعل محور قضيته الكبرى إصلاح النفس والمجتمع، فواحة الحرية مملوءة بطاقات كبيرة، ورجال لم يغيروا نهجهم حتى ينالوا الشهادة.
https://telegram.me/buratha