قيس النجم
يحكى أن شيخاً عالماً كان يمشي مع أحد تلاميذه، فشاهدا حذاءاً قديماً إعتقدا أنه لرجل فقير، يعمل في أحد الحقول القريبـة، والذي سينهي عمله بعد قليل ويأتي لأخذه، فقال التلميذ لشيخه:ما رأيك يا شيخنا لو نمازح هذا العامل، ونقوم بإخفاء حذائه وعندما يأتي ليلبسه، يجده مفقوداً فنرى كيف سيكون تصرفه؟ فأجابه العالم الجليل:"يجب أن لا نسلي أنفسنا بأحزان الآخرين، ولكن أنت يا بني غني، ويمكن أن تجلب السعادة لنفسك وللفقير، بأن تقوم بوضع قطع نقدية بداخل حذائه، وتختبئ لتشاهد مدى تأثير ذلك عليه"
أعجب التلميذ بالإقتراح، وقام بوضع قطع نقدية في حذاء العامل، ثم اختبأ هو وشيخه خلف الشجيرات، لينظرا ردة فعله، وبعد دقائق جاء عامل فقير، رث الثياب ليأخذ حذاءه، وإذا به يتفاجأ عندما وضع رجل، بأن هنالك شيئا ما بداخل الحذاء، وعندما أخرج ذلك الشيء وجدها نقوداً، وكرر النظر ليتأكد من أنه لا يحلم، بعدها نظر حوله بكل الاتجاهات ولم يجد أحداً، فوضع النقود في جيبه، وخر على ركبتيه ونظر إلى السماء باكياً، ثم بدأ يناجي ربـه بصوت عالٍ.
(أشكرك يا رب، يا مَنْ علمتَ أن زوجتي مريضة، وأولادي جياع لا يجدون الخبز، فأنقذتني وأولادي من الهلاك)، وإستمر يبكي طويلاً ناظراً إلى السماء، شاكراً هذه المنحة الربانية الكريمة، تأثر التلميذ كثيراً وإمتلأت عيناه بالدموع، عندها قال الشيخ الجليل: ألستَ الآن أكثر سعادة، مما لو فعلت إقتراحك الأول، وخبأت الحذاء؟ أجاب التلميذ: لقد تعلمت درساً لن أنساه ما حييت، الآن فهمت معنى كلمات لم أكن أفهمها في حياتي، عندما تعطي ستكون أكثر سعادةً، من أن تأخذ فقال له شيخه: لتعلم يا بني أن العطاء أنـواع، العفو عند المقـدرة عطـاء، والدعاء لأخيك بظهر الغيب عطـاء، وإلتماس العذر له، وصرف ظن السوء به عطـاء، وأعظم العطايا شرفاً هي الشهادة، التي إمتلكها رجال صدقوا ما عهدوا الله.
ختاماً: كونوا على يقين أيها الحكام أن الشهداء بدمائهم الطاهرة، هم مَنْ جعلكم تجلسون على كراسي الحكم، وهم مَنْ حفظ لعراقنا كرامته، فلا تبخلوا عليهم في إحياء ذكراهم، وأن تؤمنوا لعوائلهم العيش الكريم ومتطلباته، فهذا هو الواجب الشرعي والإنساني، الذي سيبقى في أعناقنا الى يوم يبعثون.
https://telegram.me/buratha