احمد لعيبي
في إحدى المرات جاءت(صوغة )من المشخاب إلى جدي وهي عبارة عن كيس (تمن عنبر )وزع قسمآ منه على إخوته ولم يبق منه إلا ما طبخناه في البيت وكانت رائحته قد ملئت الشارع...
دخل جدي مباشرة إلى المطبخ بعد أن كان خارج الدار وقال لها بصوت عال ( خايبة سكينه هذا التمن ريحته شكَت خشمي شلون نأكل وحدنه وزعي منه لسابع جار)..
لازلت أتذكر سكينة العظيمة وهي توزع صحون التمن العنبر المخلوط بالدهن الحر على بيوت الجيران وهي تقول للجيران هذا ثواب ناذره ابو لعيبي لوجه الله تعالى ..
الطريف في الأمر اننا لم يتبقى لنا في قدر الطبخ حبة رز واحدة بعد أن فزع علينا الصغار ظنآ منهم انه فعلا ثواب كما قالت جدتي للجيران..
كنت صغيرآ يومها لكن الحدث كان عالقآ في بالي وجئت جدتي باكيآ باحثآ عن الرز فقالت لي وهي تخرج من جيبها عملة معدنية(جده إلك الله هذا جدك (المويمن )وكانت تقصد (المؤمن) وزع التمن كله وظلت بس الاحكاكه بالجدر ...
وقف جدي فوق رأس جدتي وهو يسمع حديثها معي ويبتسم وهو يقول لها(خايبة سكينة باجر شنكول لله من يكلي عبدالحسين شبعت تمن عنبر وجيرانك ماضايكَينه ..وداعت سبع الدجيل استحي من الله ..كَوم أحميد جدي ..باجر من تكبر لا تأكل كَدام جوعان ...!!..ولاتمدحلك نهر كَدام عطشان ....
الغريب في الأمر أن عبدالحسين العظيم وسكينته المقدسة كانوا لايقرأون ولا يكتبون ولا يقلدون مرجعآ ولم يسمعوا بأقتصادنا أو فلسفتنا ولم يقرأوا كتب ارنست هنغواي ولم يقرأوا مسرحيات عبدالرحمن الشرقاوي وشكسبير ...
بعد كل هذه الأعوام كثيرون مثل جدي يأكلون العنبر والاحمر والمشمر والمفطح ولكنهم ساسة يقرأون ويكتبون فلم يكونوا مثل جدي أميين لهم ضمير ..يوزعون الرز العنبر على جيرانهم واهلهم لأنهم يخافون الله...
عندما مات جدي كان يحتضر بحجر عمتي الكبرى التي صارت الان تشبه جدتي..فقال لها وهو ينظر في أعلى الغرفه(َكَولي لحمودي لايطبخ تمن عنبر بفاتحتي وهو يعرف ليش )...!!
https://telegram.me/buratha