شذا الموسوي
كشرقيين نميل الى اشراك الله سبحانه وتعالى في كل افعالنا واقوالنا وفي حياتنا اليومية بكل تفاصيلها، وبعضنا يعتقد ان الله عز شأنه يتدخل في كل صغيرة وكبيرة من مجريات حياته ، فالثوب الذي يشتريه بإرادة الله والطعام الذي يتناوله بأمر الله والسيارة التي يركبها هي باختيار الله، وينسحب على ذلك اننا نلوم الله على كل اخفاقاتنا ومشاكلنا، فنحن نفشل لان الله اراد ذلك اما ليختبرنا او ليمتحن إيماننا ومصائبنا هي من صنع الله لان بيده كل شيء، ولو شاء لما اصبنا بها .
وبالنتيجة فإننا لا نتحمل نتائج اخطاءنا ونحملها لاقرب شماعة تخطر ببالنا، ويبدو ان اقربها الى اذهاننا هو الله الذي يتولى تدبير كل شيء في هذا الكون، لنبريء انفسنا من اية مسؤولية لنا عن حياتنا، ونريح انفسنا من عناء التفكير في حاضرنا ومستقبلنا. وفي كثير من الاحيان لا ننسى ان نقترح على الله افعالا بديلة لنلومه على اخطائنا، فليس غريبا ان تسمع احدهم يقول( لو ان الله خلقني غنيا لما اضطررت ان اسرق) او (لو ان الله اعطاني مثلما اعطى اخي من اولاد مطيعين لما فشلت في تربية اولادي) او او او...
وما يصح على الافراد يصح ايضا على الجماعات، فعقلنا الجمعي يلوم الله على مصائبنا كأمة من تخلف وتراجع، فهو الذي ابتلانا بالاستعمار، وهو الذي سلط علينا حكاما فاسدين وخائنين ضيعوا بلداننا وسرقوا ثرواتنا ، وهو الذي جعلنا ضعفاء وعاجزين، غير قادرين على مواجهتهم وتغييرهم. وغير خاف على كل ذي عقل لبيب ان هذا المنحى من التفكير بعيد كل البعد عن عقيدتنا كشيعة، وان ائمتنا المعصومين (ع) قد صرحوا في كثير من المناسبات ان الانسان في افعاله واقواله بين امرين، فلا جبر ولا تفويض، فالله يختار له وضعا معينا يختاره له وهو في ذلك مسير تماما، لكنه يترك له فيما بعد حرية الاختيار في كيفية التصرف في ذلك الوضع وكيفية التعامل معه.
اذكر اننا في اواخر 2004 ،قمنا ضمن مجموعة من الشباب الذين انتظموا في منظمات مجتمع مدني ترعاها المرجعية الشريفة في النجف الاشرف، بزيارة الى مجموعة من العلماء والفقهاء في مدينة قم، بعد اطلاق السيد السيستاني لفتواه التي دعا فيها الى الانتخابات كوسيلة لاختيار الجمعية الوطنية التي انبثق عنها دستور البلاد وأول حكومة انتقالية بعد سقوط النظام الديكتاتوري في 2003، وقد بادرنا احد فضلاء الحوزة هناك بسؤال استنكاري، حالما عرف اننا نتبع مرجعية اية الله السيستاني، فقال" من اين اتى السيد السيستاني بفتوى الانتخابات؟ هذه سابقة لا تنسجم مع فكرنا، نحن كشيعة نعتبر ثيوقراطيين (اي نؤمن بأن الحاكم يجب ان يعين من قبل الله) ولسنا ديموقراطيين...والدليل على كلامي هي حادثة الغدير...فالخليفة من بعد الرسول هو الامام علي (ع) وقد نزل الامر بتنصيبه من عند الله في يوم غدير خم، في الحادثة المعروفة، ونص عليه النبي الكريم (ص) بقوله ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه) ومن بعده الائمة الاثن ي عشرمن ولده...نصت عليهم الاحاديث المتواترة عن رسول الله طيبا في اثر طيب، مطهرون من الزلل والنقص، ولا حرية للناس في اختيارهم، وإلا لصحت عندنا ولاية ابي بكر وعمر وعثمان قبله".
قلت له بعد تفكير قصير ما معناه" شيخنا الجليل اننا نعيش في عصر الغيبة وفق هذه العقيدة ايضا، وقد غاب امامنا الذي اختاره الله لنا، وتبعا لذلك فهناك فراغ وشغور في موقع القيادة الدنيوية (وليس الدينية، التي تتولاها المرجعية الرشيدة) لشؤون الامة، وعلينا ان نبحث عن وسيلة اخرى ناجعة لاختيار حاكم دنيوي يسير شؤوننا، وفي هذا الصدد يمكن لنا ان نستفيد من تجارب امم غيرنا، نجحت في مسيرتها نحو السلم والوفاق الاجتماعي، ومن تلك التجارب هي الديمقراطية، وحرية انتخاب الشعب لحاكميه"، وقد استحسن الشيخ جوابي في وقتها، وسألني عن اسمي وتحصيلي العلمي وأسئلة غيرها دلت على تقبله لكلامي.
واليوم، نشهد تعثر التجربة الديمقراطية عندنا ،بل يمكننا ان نقول فشلها بالمطلق في تحقيق ارادة الشعب، وعجزها عن تقديم الحلول التي تسير بالبلاد الى سبيل الرشاد، فهل ان هذا الفشل يعود الى ترسخ الفكرة الثيوقراطية في اذهاننا حكاما ومحكومين؟ ام يجب علينا نحن ان نراجع خياراتنا كشعب، ونتحمل نتائج تلك الخيارات بشجاعة الاعتراف بالخطأ؟
حادثة الغدير كانت نقطة البداية في تأسيس المذهب الشيعي، ونقطة الافتراق بين من رضي بعلي عليه السلام اماما وقائدا للامة من بعد رسول الله، وبين من رفض ذلك وتعنت، واقترح على الله غير اختياره، رغم اقراره بان علي هو خير اهل زمانه بعد رسول الله صلى الله عليه واله، وانه مولى كل مسلم ومسلمة، وهو عيد كبير نحتفل به كل عام وننشد القصائد في حب المولى علي وذكر فضائله، لكنه اثار في رأسي جملة من الافكار سجلت بعضها اليوم لكم عسى ان تحضى باهتمامكم وتأملكم.
ـــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha