ابراهيم العبادي
قبل ساعات من انطلاق تظاهرات يوم الخامس والعشرين من تشرين الاول ، لخص رئيس الوزراء ، المأزق العراقي الراهن بقوله : ان العراق يواجه ازمة نظام ، قبيل ذلك بساعات ، كان نائب رئيس الوزراء وزير النفط ثامر الغضبان ، يتحدث للاعلام عن نهاية مرحلة نظام مابعد 2003، وقبلهما باكثر من ثلاث سنوات ونصف ، وبعيد بدء عمليات تحرير المدن ، كان رئيس الجمهورية الحالي ، يتحدث بدون عنوان رسمي ، بل كسياسي وقارئ للاحداث ،عن انتهاء صيغة وترتيبات الحكم في العراق في مرحلة ما بعد صدام حسين ،وكان يدعو الى اعادة النظر بهذه الصيغة لتتفادى الدولة مآزق خطيرة ولا تستطيع مواجهتها الا بصعوبة بالغة ، كمأزق احتلال داعش لثلث مساحة العراق يومها .
لم يكن عسيرا اذن فهم المشكل البنيوي الذي كان يعانيه النظام السياسي في العراق ، ولم تنفع معه اعتراضات الجمهور وتظاهراته المبكرة ولم يكد يمضي على تأسيس نظام دستور 2005 سوى بضع سنوات ، كان لدينا حس شعبي يتحدث عن فشل النظام بسبب تركيبته ونصوصه وقوانينه وشخوصه ، وكان لدينا طبقة سياسية منشغلة بالصراع على السلطة والمواقع والثروات بدون ان يكون لديها جهاز عميق يدرك خطورة المأزق ومألاته ، وانشغل الجميع بأعراض المشكلة وليس بأسبابها واستهلكوا وقتا ثمينا في صراعاتهم ، فيما كانت نتائج ومخرجات النظام السياسي تزيد السياسيين ابتعادا عن الشعب ، وتعمق ازمة انعدام الثقة والكراهية بين النظام وجمهوره .
اليوم استفاق الجميع على النهاية المفزعة للنظام السياسي العراقي الذي بني على دستور عام 2005 ، الدستور ينتج سلطات وحكومات وأنظمة ل اتلبي مصالح المجتمع ،ولا تستجيب لتطلعات الناس وفي ذات الوقت هي غير مدركة لخطورة استمرار هذا النظام ، فبالمحصلة النهائية ، غدا النظام السياسي اوليغارشي تحكمه نخبة ضئيلة تدير مصالحها وفق توازنات محلية وإقليمية ودولية وتتقاسم الثروة والامتيازات فيما بينها وتقدم للناس شعارات ووعود ، وتتبادل الاتهامات عن مسؤولية ما يحصل ، فيما كرست انتخابات عام 2018 ، دولة عميقة مسلحة ، ونظام امني وعسكري وسياسي واقتصادي موازي .
الان انفجر الشعب غاضبا وأدرك السياسيون ، من في السلطة ومن هم خارجها ،رجال الدولة السطحية ورجال الدولة العميقة ، مدراء الدولة الرسمية ومدراء الادارات الحقيقيون ، ان النظام وصل الى نهايته المتوقعة ، وان العلاج بات عسيرا وليس في متناول احد ،الحلول القصيرة لا تعالج عمق الازمة ،والحلول البعيدة لا تقنع الجمهور الفاقد للثقة بالطبقة السياسية ، ما الحل اذن ؟
النظام بحاجة الى اصلاح جوهري ، والعلاقة بين النظام والجمهور وصلت الى القطيعة ، والمخاوف على اشدها من فوضى شاملة ودفع خفي باتجاه الصدام الشامل لان الطبقة السياسية تواصل الانكار ولا تريد الاعتراف بأصل المشكلة وجذرها العميق ، وهذا الاصل يكمن في دستور جامد ملغوم ،وأعراف سياسية بالية ،وسلوك سياسي لا يمت الى الحداثة والديمقراطية بصلة ، وبيروقراطية دولة متخلفة لا تعيش عصرها ، وجماعات سياسية تعيش على الدولة وتمتصها كالطفيلي .
الحل يكمن في اعتراف السياسيين كل السياسيين ، شيعة ،سنة ،كرد ،تركمان ،اقليات بأصل المشكلة ، والذهاب الى مؤتمر وطني يتنادى فيه الجميع على اعادة النظر بالدستور وتغييره ، والتعاهد على سلوك سياسي محكوم بالقانون وروح الديمقراطية وحل كل الكيانات الموازية وتنظيم الية تشكيل السلطات ،الحكومة ومؤسساتها المختلفة ، وترك الاقتصاد لإدارة الخبراء واستكمال الحلول الجزئية وحزم الاصلاح التي وعدت بها الحكومة الحالية ، العراق يحتاج الى نظام سياسي فعال ، ودولة حازمة تحتكر العنف الشرعي واستخدام القوة ، واحزاب لا صلة لها بإيديولوجيات عابرة للحدود ، وسلطة قانون ل اتستثني احدا ولا تحابي احدا ، العراق على موعد مع جمهورية جديدة برضا السياسيين أو برغم انوفهم ، أو يتحول العراق الى ساحة حرب تديرها الدول المختلفة المتصارعة على العراق بدم عراقي وسلاح خارجي . نحن نقترب من حالة لبنان عام 1975 ،حيث تقاتل اللبنانيون نيابة عن الاخرين خمسة عشر عاما قبل ان يدركوا ان الحل في الاتفاق على عقد سياسي جديد ، لكنهم انتجوا عقدا طائفيا لم يدم اكثر من ثلاثين عاما ليخرج اللبنانيون مجددا يطالبون بطرد الطبقة السياسية كلها لأنها فسدت وأفسدت ،فصار شعارهم (كلن يعني كلن )، فيما رد البعض على هذا الشعار (لا مش كلن )، ولا استغرب اذا ما تكرر الشعار ذاته في العراق ، فالمأزق واحد والمشكلة هي ذاتها ، فدولنا وأنظمتها بلغت شوطها الاخير وحان وقت تصميم البديل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)