حمزة مصطفى
لم يتمكن أحد حتى الآن من توصيف مايجري في العراق الآن..هل هو تظاهرات وإذا تظاهرات هل هي "سلمية" أم لا؟ ولماذا هي سلمية من وجهة نظر من يمنحها هذا التوصيف, ولماذا هي لا من وجهة نظر من لايعتقد بسلميتها؟ هل هي إنتفاضة؟ وإذا كانت كذلك ضد من؟ ضد نظام سياسي كامل تنتفض عليه "شلع قلع" أم هي إنتفاضة ضد طبقة سياسية ترى إنها فاسدة ضمن إطار نظام لا إشكال لها عليه طالما هو ديمقراطي برغم مالديها عليه من ملاحظات وفيه دستور "على علاته"وتداول سلمي للسلطة يجري عبر إنتخابات دورية "على صكاطها"؟ هل هي ثورة شاملة تسعى لإقتلاع كل ماهو قديم والبناء من جديد؟ وإذا كانت كذلك فمن هي قيادة أو قيادات هذه الثورة؟ وماهي وسائلها للتغيير الشامل ماعدا التظاهرات أو الإحتجاجات التي مضى عليها شهران؟
كل هذه الأسئلة باتت واجبة الطرح لاسيما في ظل إستمرار الغضب المتمثل بالتظاهر أو الإحتجاج مع مايرافقه من عنف يؤدي يوميا الى سقوط ضحايا من الطرفين المتقابلين وهما المتظاهرين والقوات الأمنية. وحين نشير الى وجود عنف يرافق مايجري طبقا لكل التوصيفات القابلة للنقاش فإن الأرقام الرسمية أوشبه الرسمية تتحدث عن أكثر من 300 شهيد وأكثر من 13 الف جريح من بينهم بضعة الآف والكلام لمفوضية حقوق الإنسان إعاقة دائمة.
إذن نحن أمام مشهد مختلف وغير مسبوق منذ عام 2003 وحتى اليوم, أي منذ16 سنة قضيناها بتخبط ديمقراطي لا مثيل له. هذا التخبط والخلل يتحمله الآباء المؤسسون الذين أسسوا هذا النظام السياسي بدء بالطريقة والأسلوب الذي أداروا به السلطات كلها (التنفيذية والتشريعية والقضائية) منذ أول إنطلاقة تجريبية له عبر تشكيل مجلس الحكم الذي رحل معظم أعضائه المؤسسين عن عالمنا قبل التظاهرات الأعنف التي يشهدها العراق منذ شهر تشرين الأول الماضي.
بعد مجلس الحكم الذي كتب عنه بول بريمر أسوأ مدونة وهي "عام قضيته في العراق" والذي أسس لمحاصصة قل نظيرها في تاريخ المحاصصات في العالم إنصرف تفكير الآباء المؤسسين الى كتابة الدستور. وكتب الدستور الذي تم تأثيث مواده بكل مالذ وطاب من أشهى وجبات المحاصصة بكل أنواعها عرقية وإذا شئت طائفية ولمن يرغب دينية وللمتعجلين مناطقية ولمن فاته الدور الأول فله دور ثاني في الجهوية وثمة دور ثالث تكميلي في كيفية تحنيط الدستور لمن لايرغب لأي مادة فيه حتى لو كانت "ينشر في الجريدة الرسمية" أن لاتمضي دون أن يوافق عليها ثلثي سكان ثلاث محافظات.
بعد كل هذه المصائب التي خلفها لنا الآباء المؤسسون هل علينا أن نحتار في توصيف مايجري منذ الأول من تشرين الأول الماضي والى اليوم. وهل يفرق حيال فشل متراكم نروم حله خلال 45 يوما أن نسمي الأشياء بمسمياتها. ماذا يفرق حيال دم الشهداء الذي سال لمجرد المطالبة بحقوق أكثر من شرعية إن أطلقنا على مايجري تظاهرة أوإنتفاضة أوإحتجاج؟ الإشكالية ليست في المصطلحات أو المفاهيم بل في جوهر مايجري وعنوانه الأهم بناء وطن بهوية واحدة موحدة.
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)