هادي جلو مرعي
واحدة من روائع القصيد التي نسجت في وصف ماجرى في واقعة كربلاء الشهيرة التي قتل فيها سيد شباب الجنة الحسين بن علي وأهله، وبنو عمومته وأصحابه، وتصف حال شاب قريب للحسين أصر على نصرته، وقطعته سيوف الأعداء، وهو شاب كان مقبلا على الزواج، لكنه تلقى السهام بدلا من القبلات، ومطلعها:
يمه ذكريني من تمر زفة شباب
من العرس محروم ... حنتي دم المصاب
شمعة شبابي من يطفيها
حنتي دمي والكفن ذاري التراب
هناك طيفان من البشر عبر تاريخ البشر، طيف منتفع يبرر للحاكم فعله، ويشاركه فيه، وطيف معترض رافض متمرد باحث عن الخلاص وعن التغيير، فيصدمان في القول، وفي الفعل، فيتجاذبان رداء الحقيقة، ولابد أن يكون الحق مع أحدهما دون الآخر. فليس معقولا أن يتناجز إثنان بالسيف، وكلاهما على الحق.
مرت بالعراق نوائب ومحن، وكان الناس يعترضون على ظلم الحاكم وفساد الحاشية، وكان الحاكم يبرر، ويريد منهم أن يستسلموا ويطيعوا، ولا يعترضوا على شيء لأن الحاكم يحكم بأمر الله، وهو رجل لا يأتيه الباطل لا من بين يديه، ولا من خلفه، وهو يرى مالا يراه الناس، وقد قالها الفرعون القديم لقومه: لا أريكم إلا ما أرى.
مثلما إعترض العراقيون على ظلم من سبق من الحكام هاهم يعترضون على فساد حكامهم في هذا الزمان، وهذا أمر ليس بالغريب، وإذا ماكان من حقيقة فهي إن الناس يعانون، وليسوا مدعين، ولا باحثين عن مناصب ومراتب، هم يتحدثون عن كرامة، وعن وطن ووجود ومستقبل، ولابد من رعاية مصالحهم وحمايتها من مؤسسات الدولة المسؤولة عن ذلك وفقا للقانون الدستوري والإنساني.
ما قدمته الناصرية من شهداء، وما سقط في النجف من نجوم، وفي مدن غيرها يشير الى إن الأمر ليس تحديا عابرا، بل هو رفض لواقع لا يلائم حياة الناس وكرامتهم، وهم يريدون واقعا مختلفا يتطلعون من خلاله الى غد مشرق يستحقونه لأنهم أهل للغد، ولا يتوسلون أحدا لذلك، بل هو حق، وعلى من يتصدى للمسؤولية أن يلبيه.
هولاء الشهداء في الغالب لم يتزوجوا، وما تزال أمهاتهم يأملن بأن يكون ذلك كابوسا عابرا، وأن يحتفلن بهم في أعراس لا تنتهي، ولكن شاء قدر الناصرية أن يكون عرسها وحشيا تسيل فيه الدماء، وتذرف الدموع.
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)