رافت الياسر
تراقب المرجعية العليا في النجف الاشرف الوضع السياسي بدقة عالية وترصد مواطن الخلل والفساد فيه ولهذا بدأت سلسلة مراحل لتصويب هذا النظام بدءا من إشاراتها الواضحة في خطب الجمعة
ثم غلق بابها بوجه السياسيين الى وقوفها الواضح بجنب أي حراك من شأنه الضغط على الحكومة.
المرجعية وبعد الانتصار على داعـ,ش كانت تنتظر الوقت المناسب لوضع حجر الأساس لخارطة طريق جديدة تنهي حقبة الفساد هذه
وخصوصاً بعد إهمالها للانتخابات الأخيرة وعدم الحث عليها.
حسب تقديري كانت تنتظر حراكاً شعبياً تؤيده او حراكاً هي تشير له وتفتعله للإطاحة بهذه الطبقة.
ولكن لهذه العملية شروط من أهمها ان يُقاد هذا الحراك بالكامل بأيدِ عراقية وطنية وأن يضمن عدم الاخلال بالأمن العام وأن يحقق نجاحه المرجو
حدثت تظاهرات 1/10 بتخطيط إسرائيلي بغرف عمليات السفارة الامريكية ودعم اماراتي وتنفيذ منظمات المجتمع المدني الامريكية وتغطية إعلامية عظيمة بما عرف فيما بعد باسم الجوكر.
هذه التظاهرات رفعت المصاحف على الرماح وشعارات الإصلاح السياسي مما جعلها تنجح بتضليل مئات الالاف من المواطنين المحرومين والمضطهدين بفعل الخراب الذي تركته آلة السرقة الحزبية.
هنا المرجعية أصبحت أمام خيارات محددة ولا يمكن لها تخطيها - بحسب المتحكم بالحراك طبعاً-:
- ان تقف مع التظاهرات بشكلها الحالي الذي يريد جر البلاد الى الفوضى وخصوصاً أن احد أهدافها هو حرق المرجعية والرموز الاجتماعية.
- ان تواجه التظاهرات وتحاول إخمادها وهي هنا ستُصوّر على أنها ضد حقوق الناس ودماء الشهداء وأنها تقف مع حكومة القناصين كما يسمونها وأنها توفر طوق النجاة للطبقة السياسية التي ما لبثت المرجعية أن تحاربها.
وأن أي حديث منها حول وجود أيدٍ خارجية عابثة هو إنتحار منها إعلامي
ويشكل فرصة لصفحات التضليل المسمومة.
- ان تقف على الحياد وتتجاهل ما يجري في البلاد وهي أيضا ستواجه نفس التهم في الخيار الثاني وسيقال عنها أنها صامتة أمام المجازر التي ترتكب بحق أبنائها
المرجعية هنا قلبت الطاولة على العدو بحنكة سياسية منقطعة النظير وقلبت السحر على الساحر
مع انّها تريد للحراك الجماهيري ان يحدث ولكن ليس بتوقيت السفارة ,
فليس من الانصاف مهاجمة حكومة لم يكمل ربيعها الاول.
ماذا فعلت المرجعية إذن؟
المرجعية حوّلت التهديد الى فرصة عبر سحب المبادرة من قبل عملاء الامريكان والأحزاب الموجية الفاسدة التي دخلت للساحات فيما بعد
وطلبت من الجماهير أن تنزل أيضا
الا يبدو ذلك غريباً؟
في الفقه يُطهّر الماء المُتنجِس القليل بالماء الكر الكثير
يعني اذا كان لديك دلوٌ متنجس يكفي ان تسكبه في ماء جاري سيتحول الى ماء طاهر
هذا ما حدث بالضبط طلبت المرجعية من الجماهير الكثيرة ( الكر) أن تنزل للساحة لتطهرها من العصابات النجسة التي نجست الميدان.
وطلبت من النخب الواعية و الوطنية ان تقود الحراك وهذه النقطة للاسف لم تتحقق لهذه اللحظة ونأمل ان يُلتفت لها مستقبلاً.
ولهذا هنا من الضروري وضع مقارنة بين التظاهرات السيستانية والتظاهرات الاخرى.
1- التظاهرات السيستانية لم يخُطط لهذا لأن تكون بتاريخ 1/10 ولكنها حدثت بفعل سياسة الامر الواقع
حيث إستفادت المرجعية من المسألة لأنها لو أشارت لإحتجاجات مستقبلية فإنها ستتحمل وزر كل ما يأتي بعدها كما تحملت الشتائم من قائمة الشمعة ومثيلاتها
ولكن مع هذه العملية فأن أي وزر يحدث عمّا يجري من قانون انتخاب وما شابه فيتحمل وزره بالكامل الشعب وليس المرجعية.
2- التظاهرات الجوكرية والحزبية كانت تعلن بشكل قاطع و واضح مسألة اسقاط النظام بينما التظاهرات السيستانية تريد اصلاح النظام,
ولكنّهم عدلوا عن تكتيكهم الغبي هذا فيما بعد بفعل وعي الجماهير.
3- التظاهرات الجوكرية والموجية كانت تمهّد لإنقلاب عسكري لحاكم دكتاتوري بينما التظاهرات المرجعية تدعو لاحترام عملية التبادل السلمي للسلطة وأيضاً تراجعوا فيما بعد عن هذا الخيار.
4- التظاهرات الجوكرية والموجية كانت تشخص المشكلة ولكن لا تشخص الحل
فلا يوجد مطالب واضحة للمتظاهرين
فقط هتافات مبعثرة فتجد كل 10 متظاهرين لديهم مطالب مختلفة
وأغلب تلك المطالب غير منطقية وغير واقعية
ورفعوا شعارات تدعم هذه الفوضى المعرفية مثلا شعار #نريد_وطن
فهل أنت نازح مثلا؟,
ما هو شكل الوطن الذي تريده وما هي الكمية؟
شعار جميل كما يبدو ولكنه فوضوي وُضع بخُبث.
بينما جائت التظاهرات السيستانية لكي تضع خارطة طريق واضحة بخطبها ومن أهما قانون انتخاب منصف ومفوضية مستقلة وانتخابات مبكرة
وكلما تحقق وسيتحقق بفعل خطب الجمعة لا غيرها
حتى تغيير الحكومة إنما جاء بتلميح من النجف لكي لا يوهمكم أحد بعضلاته المنتفخة.
5- التظاهرات الجوكرية والموجية كانت تهدف لإثارة الفوضى والحرب الأهلية عبر عمليات الحرق والقتـ,ل والقطع والسحل والتمثيل والتعليق والطعن والتخوين والتهديد والتهكير بينما كانت التظاهرات السيستانية تدعو لبطش المخربين ودعم الاجهزة الامنية.
6- التظاهرات الجوكرية والموجية كانت تهدف لجعل العراق ساحة لليّ ذراع إيران وتأمين إسرائيل
ولهذا توجهت الماكنة الاعلامية لهم صوب إيران وأهملت التدخلات الاخرى
بينما وجهت التظاهرات السيستانية لمنع التدخلات الخارجية كافة دون الاشارة لطرف على حساب طرف آخر
فهي لا تريد العراق أن يكون ساحة لصراعات دولية كما تريد عصابات الجوكر.
و عموماً أشارت المرجعية فيما بعد لما وصفتهم بالادوات تمليحاً عن دور الجوكر المخرب واشاراتها تتضح أكثر وأكثر مع كل خطبة وبزيادة طردية مع وعي الجماهير.
7- التظاهرات الجوكرية والموجية عملت على إخفاء قيادة التنسيقيات ورفعت قميص عثمان وشعار #الوعي_القائد كذباً وزوراً
بينما طالبت المرجعية من القوى الخيرة والوطنية أن تنظم وتميز صفوفها وأن تقود الحراك بدون لثام
ولهذه اللحظة اي قيادة تأتي للساحات خارج قيادة منظمات المجتمع المدني الامريكية و أحزاب التحرير ستعرض نفسها للطعن وحرق الخيم كما حدث سابقاً
8- التظاهرات الجوكرية والموجية كان لديها بديل عن خطة اسقاط النظام وهي السيطرة على النظام عبر تغيير الحكومة واجراء انتخابات مبكرة تحت سيطرة العقل الجمعي وهذا الخيار لم تتبنه المرجعية في البداية وحملت البرلمان بشكل أساسي مسؤولية اصلاح الوضع ولكنه فشل
و تبنته فيما بعد بسبب عدم قدرة المتنفذين على احتواء الازمة وخشيتها للوقوع بحرب أهلية كما اشارت بأحد خطبها,
وحتى هذه الانتخابات ستسعى المرجعية أن تجرى بأجواء آمنة بعيداً عن تأثيرات عصابات الملتوف والعهر الاعلامي خلاف ما يريد الجوكر.
9- التظاهرات الجوكرية والحزبية تريد تغيّرات بالقوة ولكن التظاهرات السيستانية تريد اصلاح وفق الاطر القانونية والدستورية حتى تغيير الدستور إنما يكون وفق الدستور الحالي نفسه و بواسطة هذه الطبقة السياسية المرفوضة.
ولا مانع لدى الطرف الاخر أن يضرب الدستور والقوانين عرض الحائط بذريعة نريد وطن و الوفاء لدماء الشهداء.
10- كان من أهداف التظاهرات الجوكرية ضرب الرموز الدينية والاجتماعية والانقلاب على كل شيء مألوف وإعداد #الانفجار_العظيم لإعادة تشكيل كل شيء من جديد ولكن قبائل الناصرية افشلت هذا المخطط بشعارات " الملعب للسيستاني الملعب.." مما زاد من إلتفاف الناس حول النجف بصورة مغايرة عن بداية الاحتجاجات عندما كانت بالكامل بأيد الجوكر الخبيث والاحزاب حيث أصبح سباب المرجعية وحرق صورها أمر طبيعي وقتها.
سنحت عدة فرص للمرجعية بسحب يدها من التظاهرات وكان لديها ذريعة واضحة لإخماد هذا الحراك بإشارة واحدة وخصوصاً بعد حادثة الوثبة
ولكنها استمرت بدعم المستقلين و الوطنيين
لأنّها لم تلتمس بعد الجدية لدى القوى السياسية لأصلاح النظام وأن أي هدوء يحدث يعني أن دماء الابرياء ذهبت هدراً
وان الفساد سيستمر بل ربما ستقوى شوكة الاحزاب أكثر وأكثر
ولكن المرجعية عازمة جداً هذه المرة على قطع رؤوس حيتان الفساد ومهما كلف الامر.
إذن المرجعية وأمريكا والاحزاب الفاسدة تلاقو في الميدان لقاء حرب وإفتراق لا لقاء صلح كلقاء الحسين عليه السلام مع الشمر جمعهم الميدان الواحد ولكن اهدافهم كانت منفصلة .
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)