د. حسين القاصد
كنت ، مثلي مثل كل العراقيين ، أتابع القنوات الخارجية التي بدأت تصلنا ، بصعوبة ، مترقبا سقوط النظام الساقط ؛ وكانت إحدى القنوات تبث برنامجا يظهر فيه شخص يبدو أنه خبير عسكري ، وكان بحكمة وقراءة دقيقة ، يحدد مسار القوات الأمريكية ؛ والغريب أن القوات الأمريكية وصلت بغداد ، طبقا لقراءته الدقيقة ، حيث قال إن الأمريكان سيصلون إلى بغداد عبر الصحراء ودون المرور ببقية المحافظات ، فضلا عن توقع إنزال على مطار بغداد .
لم أتعرف على الرجل ، لكن القناة ايرانية ، فظننته ايرانيا على الرغم من عروبة اسمه الحركي وكنيته ولقبه وعراقية لسانه المبين .
بعد أن سقط النظام الساقط ، فوجئت بأن هذا الرجل صار عضوا للجمعية الوطنية التي سبقت مجلس النواب ، لكنه سرعان ما اختفى لكونه مطلوبا للأمريكان!! .
ازدادت الحيرة وتضاعفت ، فقد اختفى النائب جمال جعفر الذي اتضح فيما بعد انه ابو مهدي المهندس نفسه الذي كنت أراقب تحليلاته وقراءته للطرق التي سيسلكها الامريكان لاسقاط النظام الساقط ؛ ولقد غاب فترة ليست بالقصيرة ، لكنه عاد للظهور بقوة مع قوة جبروت وطغيان الامريكان ، وقاد معارك الدفاع عن بغداد بعد سقوط الموصل بيد الظلام الصحراوي الداعشي ، إلى أن جاءت فتوى الجهاد الكفائي المباركة من صمام أمان العراق المرجع الأعلى السيد علي السيستاني أدامه الله للعراق والأمة ؛ وبعد الفتوى ظهر جمال جعفر باسمه الذي رسخ في بالي ( ابو مهدي المهندس) لكن هذه المرة ، ظهر بصفته نائب رئيس الحشد الشعبي.
احتدمت معارك التحرير ضد حثالة التاريخ من الدواعش ، وبدأت اخبار عودة هيبة العراق تتوالى ، حتى وصل الحشد الشعبي إلى مشارف تكريت ، فكتبت وقتها في صفحتي في الفيسبوك بأني سأقيم مهرجانا كبيرا بعد اسبوع بمناسبة تحرير تكريت ؛ كان ذلك ضربا من جنون أو حدس الشاعر ، وقد استجاب أغلب الأدباء والفنانين العراقيين العرب للمشاركة مع ان الخبر هو مجرد حدس من كاتب هذه السطور .
في اليوم التالي اتصل بي صديقي وأخي مهند العقابي ، وكانت اخبار التواصل بيننا قد انقطعت من عام ٢٠١٠ ، فرحبت باتصاله وعبرت عن اشتياقي ؛ لكنه اختصر الحديث وقال : أنا مدير اعلام الحشد الشعبي ، نعم سنحرر تكريت الاسبوع القادم ، وطلب مني أن نلتقي لكي نرتب أمور المهرجان ، فالتقيته واتفقنا على موعد مهرجان ( هنا العراق) ، بدعم من هيأة الحشد الشعبي ، وفعلاً تم تحرير تكريت وأقيم المهرجان وحضره مهندس الانتصارات ، وقد ألقيت كلمة الافتتاح ارتجالا .
كانت هذه المرة الأولى التي أرى فيها المهندس .
التقيته بعدها مع وفد من الإعلاميين في بيجي بمناسبة تحريرها ، وهي المرة الأولى التي حدثته فيها وحدثني وهنأته على النصر .
آخر مرة التقيته مصادفةً في معهد العلمين في النجف الأشرف ، وقد كنت مدعوا من الدكتور ابراهيم بحر العلوم ، لجلسة شعرية يقيمها المعهد في ذكرى الإمام علي عليه السلام ، وكان المهندس على وشك المغادرة لكنه حين علم بالجلسة الشعرية بقي ليستمع ، وكانت جلسة مميزة .
بعدها لم أره ، ولم يجمعنا اي لقاء أو مناسبة ، حتى سماع خبر استشهاده ؛ ويبدو أنه أصر على الانتصار حيّا أو ميتا ؛ لذلك كان قرار خروج الأمريكان من العراق الذي صوّت عليه مجلس النواب العراقي بعضا من ثمار استشهاده ، وثمار دمائه .
شكرا مهندس الانتصارات العراقية ، فلقد صنعت النصر حيا وميتا .
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)