المقالات

مستقبل المنطقة بعد قرار ترحيل القوّات الأمريكيّة في ظلّ منهج أمريكا في ضرب المقاومة.


محمّد صادق الهاشميّ

 

من المؤكّد أنّ اغتيال الشّهيدين  «قاسم سليمانيّ،  وجمال جعفر المشهور بأبي مهدي  المهندس» كان بعملية غدرٍ قامت بها الولايات المتحدة الأمريكيّة؛ لأهداف مهمّة تصبّ في مصالحها، وبطبيعة الحال يترك غيابُ أمثال تلكم الرّجالات آثاراً مهمّة في العمل الميداني الأمني ، وفي مقالي هذا أحاول طرح المعالجات التّي ينبغي العمل بها مستقبلاً :

(أوّلاً). في الجانب المفاهيميّ:

 لا يمكن الانسياق وراء الإعلام الذي يدّعي فراغ السّاحة من القيادات؛ فإنّ الحركة الإسلاميّة منذ نشأة التّشيّع وإلى العصر القريب في القرن  العشرين وما تلاه تشهد وجود قيادات مهمّة، ممّا يدلّ على أنّ السّاحة الشّيعية في العراق ولودٌ ومنتجةٌ، وليس أدلّ على ذلك من أنّ الاستعمار البريطانيّ في القرن العشرين أراد إفراغ السّاحة الشّيعية من قيادتها، وقتل الرّوح الجهادية فرحلت.

ونفت حكومةُ السّعدون أربعة مراجع بارزين إلى إيران، منهم المرجع أبو الحسن الأصفهانيّ، والمرجع النّائيني، والمرجع الخالصّي الكبير، وغيرهم، ولم تسمح لهم بالعودة إلّا بعد أنْ اشترطت عليهم أنْ لا يتدخّلوا في العمل السّياسي، ولكنّ نهضة المرجع كاشف الغطاء، والمرجع الإمام السيّد محسن الحكيم، والمرجع الإمام الصّدر الأوّل والدّعاة والمجاهدين لاحقاً حرّكت الرّاكد الشّيعي، وألهمت الأمّة في العراق الحماس نحو التّحرر والمطالبة بالحقوق , ثمّ تلتها حركة مفجّر الثّورة في العراق في أعقد الظّروف، وهي حركة الشّهيد الصّدر الأوّل والشّهيد الصّدر الثّاني وأولاده، وواكبت تلك الحركة نهضة الإمام الخمينيّ ممّا جعل تلك الحلقات المهمّة تدفع بالشّيعة إلى الوجود والقوّة ونيل الحقوق دون تراجع، علماً أنّ عهد صدام كان عهداً لا يمكن القياس عليه؛ لتفرّده بالطّغيان، فقد قام  صدام حسين بتكليف من  الغرب بعد إعدام الشّهيد الصّدر الأوّل وأُخته العلوية من إفراغ العراق من العلماء وتسفيرهم ومحاصرتهم, إلّا أنّ الشّهيد الصّدر الثّاني أعاد إلى الشّباب المسلم في العراق الثّورة والحركة والنّضال والحيوية، ورسم خطوطَ نهضة الأمّة بكلّ وضوحٍ، وهو أوّل مَنّ أَمَّ الجموعَ في مسجد الكوفة في تلك الفترة المظلمة، وأنزل الأمّة إلى الشّارع، وعمل على تربيتها ونهضتها، وعلّمها أنْ ترفع شعار «كلّا، كلّا، أمريكا»، وكلّ المقاومة اليوم هي وليدة تلك النّهضة، وأغلب المقاومين قد تخرجّوا من مدرسة المراجع العاملين، وخصوصا المدرسة الصّدرية  الثّورية .

(ثانيا). اتساع الثقافة شيعة المنطقة:

 إنّ الشّيعة اليوم قد اختلفت وتوسّعت مداركهم وثقافتهم السّياسية، فهم بروح وطنية يسعون جاهدين إلى إثبات وجودهم، ووجود كلّ المكوّنات معهم على قدر من الاحترام وفق الأسس الدّستورية التّي تحفظ لكلّ ذي حقّ حقّه في العراق، ونفس المنهج يترسّمه الخطّ الجهاديّ اللّبناني وغيره، وبالتّالي فإنّ مساحة العمل الثّوري المدافع عن الحقوق توسّعت لتشمل مساحات مهمّة، ووجود مهمّ وهذا لا يعني أنّ حركة الشّيعة لنيل حقوقهم تأتي بالضّد من الشّعوب والقوميات والطّوائف الأخرى، فإنّ الهدف للكلّ حسب الفرض هو التّحرر من السّلطة الاستكبارية الاحتلالية الأمريكيّة في المنطقة المهيمنة على مقدّرات المسلمين منذ الحرب العالمية الثّانية وإلى الآن، وعليه فإنّ هذا الهدف الأكبر ينبغي أنْ يكون هدفاً لكلّ شعوب المنطقة، ويجب توحيد الجهود لجميع المجتمعات بمختلف قومياتهم ومذاهبهم  بهذا الاتجاه، وهذا يحتاج إلى خطاب وحدوي اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، سيّما أنّ العدوّ يحاول أن يرسم صورة أنه يستهدف مكوّناً دون آخر، وهي سياسية مارستها أمريكا منذ أنْ ظهرت إلى الوجود من خلال تفكيك اللّحمة، وتفريق الجهود، واستمالة البعض بمكر ضدّ البعض الآخر .

كما لابدّ أن نؤمن أنّ الشّعوب آمنة ومتلاحمة، ومصيرها مستقرٌّ، وثرواتها محترمةٌ في ظلّ التّحرر من الاستكبار الأمريكيّ.

(ثالثاً). يُشيع المشروع الأمريكيّ - من خلال مؤسساته الإعلامية الواسعة العالمية والمحلّية ومن خلال تأثيراته المخابراتية، وهيمنته على الفضاء المجازي- أنّ انتهاء دور «الاخوان المسلمين» في مصر، ومحاصرتهم في قطر، وفشل مشروع الخطّ السّلفي الوهابيّ «السّروريّ» مؤخّراً على يد الأجهزة الأمنية والمجاهدين  فتح المجال لهيمنة الاسلام الشّيعي في المنطقة على حساب المصالح السّنيّة السّياسية وفي هذه المفاهيم من الخطورة بمكانٍ جعلت إمكانية وجود تقبّل للقواعد الأمريكيّة في المنطقة من قبل البعض من المكوّن السّنّي، ومعارضة لقرارات التّحرر البرلماني، ورفض للتّظاهرات المضادّة للاحتلال الأمريكيّة، لذا فإنّ من المهمّ أنْ تكون رسالتنا إلى المكوّنات والمجتمعات السّنية وحتى الكردية وغيرها خلاصتها : أنّ التّاريخ شاهدٌ على أنّ الوجود الأمريكيّ في المنطقة يعتمد على تفكيك اللّحمة الاجتماعية ، وبثّ الإرهاب، ونشر القتل والحروب والصّراعات، وأنّ منهجاً كهذا يهدد الأمن في المنطقة برمّتها، وسبيل الخلاص الوحيد هو الوحدة والمقاومة، وهي مهمّة الجميع سنّةً وشيعةً وكلّ المكوّنات.

وخلاصة القول: يجب أنْ يعرف الجميع، وخصوصا المكوّن السّني المحترم أنه نال من الضّرر من ممارسات الارهاب بما لم  ينله في ظلّ التّفاهم والحوار الوطني .

(رابعاً). إنّ رفض المنهج الأمريكيّ في اعتماد سياسة القتل يجب أنْ يكون رفضاً عامّاً من قبل المسلمين في العراق وغيرهم؛ لأنّ المستهدف الجميع، فقد قتلت أمريكا وإسرائيل في العهد القريب أغلب الزّعامات الفلسطينية، منهم «الرّنتيسي، وأبو ياسين» وشرّدت شعب فلسطين، ومازالت تقتل وتفتك بشعب فلسطين، وقتلت  قبل هذا العهد «حسن البناء، والسّيد قطب» في مصر و«عبد العزيز البدريّ» في العراق، ولا حقا «الشّهيدين الصّدرين، والشّهيد مهدي الحكيم، والشّهيد أبو ياسين، وشهيد المحراب السّيد محمّد باقر الحكيم»، ثمّ عمدت مؤخّرا إلى ضرب المقاومة وقتل أبرز القادة الذين واجهوا الإرهاب في العراق والمنطقة، والذين سمّتهم مرجعية النجف الأشرف بـ «شهداء النّصر».

وعليه فنحن بأمسّ الحاجة – كشعوب في المنطقة – إلى أنْ نواجه هذا الاعتداء الأمريكيّ الإسرائيلي الصّارخ والممنهج عبر التّاريخ، ويجب أنْ نُدرك جميعا أنّ المستهدف هو الجميع .  نعم نحن  بحاجة إلى أنْ نوحّد الجهود، وننشر ثقافة المواجهة والتّحرر والنّضال الوطني .

(خامساً). إنّ الدّرس المهمّ  - بعد أنْ اجتمعت فصائل المقاومة تحت راية واحدة، وبعد اللّقاء التّاريخي مع  السّيد مقتدى الصّدر والاتفاق على إخراج الاحتلال، والتّمهيد لطرد المحتلّ وتقوية القرار البرلمانيّ من خلال التّظاهرات الملوينية في العراق - أنّ المقاومة هي حركةٌ وعقيدةُ  إمّة، وليس حركة أفراد، وما كانت تعتقده أمريكا أنّها تتمكّن من استئصال «حركة الوعي الثّوريّ» من خلال اغتيال الشّهيدين سليماني والمهندس، وغيرهم ومن بعدهم ثبت لها أنّ هذا الاعتقاد وهمٌ،  وواهن كبيت العنكبوت،  سيّما أنّ الفكر الشّيعي يستبطن المنهج الثّوري التّحرري الذي استمدّته الأجيال من ثورة الحسين (عليه السّلام)، وعززته حركة العلماء والمراجع في محطّات مهمّة ومتّصلة لا يمكن أنْ تنتهي بنهاية أشخاص، فالتّشيع والاسلام  عقيدةٌ قائمّة على التّضحية والثّورة والتّحرر والتّاريخ شاهد على ما نقول .

(سادساً). إنّ قوة التّشيع هي من قوّة الاسلام لا من الاستسلام،  كما يفعله أنظمة الخليج، وهذا الأمر هو الذي يُعَدّ أحد أبرز التّحديات التّي يواجهها المشروع الأمريكيّ في المنطقة.

لكنّي أجدُ أنّ الأمّة بحاجةٍ إلى عقد مؤتمراتٍ وندواتٍ وملتقياتٍ تحدد الأسس والمنهج والرّؤية، وتدرس مستقبل الأمّة والمنطقة في ظلّ المتغيّرات الكبيرة في العالم الإسلاميّ من الخليج وإيران  والعراق مروراً بسورية وصولا إلى لبنان؛ كون المنطقة كلّها مفتوحةً على الصّراع بين أن تكون أو لا تكون، وبين أنْ تنال قيمتها وهوّيتها وسيادتها وبين أنْ تتراجع تحت الضّغط الأمريكيّ، فالمنطقة كلّها تحتاج إلى إعادة صياغات الواقع السّياسيّ والثّوريّ، بينما الإعلام الغربي المغرض يقدح في كلّ نهضة، ويعتبرها ذراعاً إيرانيّاً خارج المصالح الوطنية.

(سابعاً). من المهمّ أن نواجه المرحلة المقبلة بالوحدة السّياسية، وإصلاح الواقع الحكوميّ، وتقديم الخدمات، وإنهاء الفساد والرّجوع إلى الأمّة والشّباب وإنهاء القطيعة بين الأحزاب والشّباب؛ لأنّ أحد لوازم النّهوض هو أن نكسب الشّباب، ونعيد ثقة الجمهور بالعملية السّياسية، وبهذا يمكن قطع الطّريق على المشروع الأمريكيّ, فإنّه يستحيل مواجهة المشروع الأمريكيّ دون الاعتماد على الأمّة وتحصين فكرها ومنهجها وعقيدتها السّياسية؛ فإنّ الغرب وأمريكا لطالما استغلّت الجوع والفقر في ضرب الثّورات، وليس أدلّ على ذلك أنّ الجوع هو أحد أدوات أمريكا لإسقاط خصمها القطبيّ، وهو الاتحاد السّوفيتيّ.

الشّارعُ العراقيّ الآن  يختزن الثّورة على الفساد فما لم ننطلق من علاج الدّاخل لا يمكن أنْ ننجح في مشاريعنا الخارجية، وهذا أمر متسالم عليه لدى جميع الحركات التّحررية الآن وقديما, فلنطرد الجوع والفقر والفساد عن أبناء شعبنا تمهيداً لطرد القواعد الأمريكيّة، فلتكن هناك ثورتان متلازمتان. انتهى

كتب بتاريخ 17 / 1 / 2020 م .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك