ابراهيم العبادي
في برقية الى الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيرش ،دعا السياسي العراقي اياد علاوي الامم المتحدة الى التدخل لايقاف سفك الدم العراقي وحماية المتظاهرين ،فيما وجه قبله ستة عشرا سفيرا غربيا في بغداد دعوة لايقاف قتل المتظاهرين في سابقة دولية خطيرة ، ومازالت الدعوات من السفراء والسفارات ووزراء الخارجية تترا داعية الى احترام حقوق الانسان وقيام الدولة عبر واجباتها الامنية بحماية المتظاهرين ،حاثة الاطراف العراقية الى حل الازمة سلميا والاسراع بتشكيل حكومة تضمن اجراء انتخابات مبكرة .
ومن الطبيعي ان تتدخل الدول والمنظمات الدولية حينما تدعوها اطرافا عراقية للتدخل ،مع استفحال الازمة الداخلية وتعقّد المسار السياسي وتصاعد نُذر الاحتراب الاهلي ، لكن غير الطبيعي ان لايشعر العراقيون بمخاطر تدويل الازمة واستمرار عناد السياسيين وقيامهم بدعوة اتباعهم الى القيام بمهام الاجهزة الامنية فيما اضحت الاخيرة محيدة وعاجزة عن القيام بوظائفها ،بمعنى ان الدولة لم تعد قادرة على الايفاء بالتزاماتها وهي تقترب من الفشل انحدارا من مستوى الهشاشة .
تحرص الشعوب والدول على سيادتها وكرامتها ،وتتعامل مع هذين المبدأين بحساسية عالية ،وتستقتل لمنع الاخرين التدخل في شؤونها الداخلية ،فمن يسمح للاخر طوعا او كرها بالتدخل في شؤونه فانه حتما يعاني حالة طفولة سياسية ،لم ينضج لديه الفكر السياسي ، ولم يتعلم السلوك السياسي الصحيح ،ويعاني ازمة هوية وطنية ، وهو بالنهاية ليس مؤهلا لان يكون طرفا في تفاوض سياسي ، او فردا سياسيا ضمن بيروقراطية الدولة .
سعت شعوب الارض المختلفة منذ حروب الاستقلال الى منع الاخرين من الوصاية والتأثير على القرار السياسي ،كما خاضت قوى وطنية وقومية ودينية معارك سياسية ، لتأكيد الخصوصية الوطنية وبناء هوية تميزها عن الاخر القريب والبعيد ،وحده العراق من بين شعوب ودول الارض ظل استثناء غير مفهوم ،فلم ينجز هويته الوطنية بابعادها التاريخية والدينية والثقافية المعاصرة حتى اللحظة ،ولم تنضج احزابه وقواه السياسية في ادارة حوار معمق وبناء لبلورة هذه الهوية وتحديد مواصفاتها وخصوصياتها ومشتركاتها مع القريب والبعيد ، فنحن حالة سائلة تستقطبنا المشاريع القوية عند جيراننا ،فمرة نحن قوميون ضمن نطاق المشروع القومي واهدافه القومية الآفلة ،واخرى اسلاميون نريد تحقيق اهدافا اممية ، فيما سعت قوى اليسار الى الترويج لمفاهيم التقدم والاشتراكية والاندراج ضمن مشروع الامميات المناهضة للرأسمالية ،وبقي تيار الوطنية العراقية محاصرا مقموعا ومتهما من الاخرين ، كونه اقل ايديولوجية واكثر واقعية ونضجا من التيارات الاخرى ، لقراءته الاعمق لمشكلات العراق التاريخية وخشيته من استقطاب الجماعات العراقية التي عُرفت بخفة التفكير واندفاعات المشاعر وحماسات اللحظة . فالعراق المتنوع قوميا ودينيا ومذهبيا ،والمحاط بدول تخاف منه وتتأثر به وتطمع فيه ،وصاحب السردية الحضارية والتاريخية المشبعة بفكر التراث الديني والفلسفي والكلامي ، وعوامل عديدة تكفي للتأكيد بان العراق لن يكون في مأمن مالم تبنى دولته بهوية جامعة ، يعتز بها كل عراقي ويدافع عنها ويقدمها برنامجا للفكر والثقافة والسلوك السياسي وتصبح عنده ثيمة يومية ،عند ذاك نحلم بحل ازماتنا ومشاكلنا برؤية عراقية ،ولانحتاج الى وسطاء ومفاوضين من الاشقاء والاصدقاء والجيران والاقوياء ، ينسجون لنا حلولا لمشكلات معقدة تراعي مصالحهم قبل مصالح العراقيين ، وتحسب للمستقبل القريب والبعيد ضمن صراع المصالح والاحلاف والمحاور التي يخططون لها .
حينما طرحت المرجعية خارطة الطريق لحل الازمة السياسية الراهنة، وشددت على عدم تدخل الاخرين في شؤون العراق ايا كانوا ودعت العراقيين الى منع تدخل الغرباء في شؤونهم ، خاضت الجماعات العراقية ومحازبيها جدلا بيزنطيا حول مفهوم الغرباء ،مالمقصود به ؟ ، ومن هو الغريب بالنسبة لاشتات الاحزاب العراقية ذات الولاءات المتعددة شرقا وغربا ؟ ،وهل المعنى المقصود مؤصل شرعيا ومستساغ مفاهيميا ؟ وكل هذه الاسئلة كانت تشير الى عقلية جدلية وقلق فكري عمره اكثر من مائة عام ، ولو كانت النفوس طيبة لفهمت المراد من الوهلة الاولى ،فالعراق يعاني استقطابات سياسية حادة وصراعات حزبية مستشرية وانقسامات اجتماعية أشد خطورة ،والبلاد تعيش اسوأ مخاضاتها منذ خمسة اشهر ،والعنف والقتل والجدل وقلة الحيلة تترسخ في يوميات العراقيين بلا افق للحل ولاعقلانية وتفكير هاديء بالمصير الاسود الذي يحدق بالبلاد ،وبدل ان تساعد المنظومة الثقافية أطراف الازمة على الاهتداء الى الحلول ،فان العجز والتيه السياسي وتكرار الاخطاء يقودان الى دفع العراق دفعا نحو تدويل الازمة وتدخل الاطراف الدولية ،وهي ان تدخلت فليس من معنى لتدخلها سوى ان العراقيين ليسوا مؤهلين لحكم انفسهم وادارة شؤونهم بل يحتاجون الى الوصاية الدولية والاممية ،ولو كانوا حريصين على الاستقلال والكرامة والهوية الوطنية لما اوصلوا الامور الى هذا التدهور المريع .
ـــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha