علي التميمي
لحظة الموت رحمة للأحياء قبل أن تكون بردا وسلاماً على الراحلين، فمن رحماته إنه يدرأ الشر والظلم عن نفوس جبلت على القلق من حتمية النهايات، ويستعيد نفوساً أخرى لمواطن البذل والعطاء والتسامح لأنها مدركة أنه حق لا ريب فيه، وهي التي جبلت على الخير وإلا فكثير من القلوب قدّ من صخر، لا ذكر الموت ينفعهم، ولا إنحدارهم من قمة العمر لأسفله يوطن نفوسهم على بذل الخير .
رحيل العلماء يطفيء منارة كبرى كانت ترسل إشعاعات خيرها ونورها للعالم أجمع، وتنفطر لرحيلهم القلوب لكونهم حماة البلاد، وصمام أمن قيمها ومبادئها التي ترتفع بها الى مصاف الامم الخالدة، ذات الاسهامات الكبرى في حياة البشرية، نقف اليوم بمشاعر عميقة تشتعل فيها الحسرة والألم، في موقع رثاء رجل بأمة رجل أحيا شعبا، فعمل ليل نهار لخدمة قضايا أمته التي تآمر عليها القريب والبعيد، في زمن الهوان والردة عن المبادئ الناصعة والمعاني الجميلة .
السيد محمد باقر الحكيم شهيد المحراب وذكراه المتجددة هي ليست ذكرى عابرة، بل هي تاريخ يسجل حدثا لا يمكن لأي أنسان عاش فترة نشأت، وغلبت فيها الامور الشخصية والفئوية على العمل للوطن، فهو (رضوان الله تعالى عليه) قائد ورمز ليس ككل الرموز، فما تركه بين طيات كتاب حياته الذي تتقاطر من صفحاته المضيئة كل صور البذل والعطاء، يضعه حتما ودون جدال في المرتبة الاسمى، والتي لا يجاوره فيها إلا نفر قليل من علماء ومفكري وقادة الامة، والقليل ممن لا يعرف سيرة حياته، التي كرسها لمواجهة ما كان من تحديات في كل الميادين وفي مختلف الاوقات .
لم تقتصر حياة شهيد المحراب على المواقف الصلبة والقدرات الفكرية والسياسية الباهرة، بل إن رجل الفكر والسياسة أمتلك مرونة دبلوماسية مدهشة، صقلتها المحن والخطوب والتجارب والخبرات، ليشكل شخصية ذات ملامح ومكونات متكاملة، توجت بحضور لافت لا يختلف في جدارتها وأهليتها أحد، وصلت الى العالمية في أكثر المواقف، فلا عجب أن يحدد أو بالامكان جعل يوم إستشهاده (رضوان الله تعالى عليه)، وعلى غرار من آثر على نفسه إعلاء كلمة الحق تاريخيا، أن يكون في سجل العالمية، كذلك هو يوما يختص بفضح الظلم، وكيف يكون الانتصار عليه بالتضحية من أجل زواله، أفنى حياته كل حياته في سبيل نصرة دينه ودعوته، أعطى للعملية السياسية بعد سقوط الدكتاتورية الظالمة الكثير، لذا لم يكن مستغربا ان تفتح أبواب مواجهته من كل حدب وصوب، حين نتحدث عن خط آل الحكيم المبارك نتحدث عن علاقة عقائدية مصيرية، وحالة من حالات التجذر العميق في الوعي الفكري والثقافي والسياسي، الذي تأسس على رؤية شمولية ذات آفاق رحبة، تدرك أبعاد المخططات الشخصية البعيدة كل البعد عن الوطنية.
مثّل شهيد المحراب (رضوان الله تعالى عليه) والذي نعيش هذه الايام ذكرى رحيله مدرسة فكرية كبرى، متكاملة الابعاد والزوايا تركت آثارها العميقة في نفوس كل من عاصره أو قرأ عن تاريخه، رحل وغاب عن مشهد الحياة وأنطوت صفحة جسده الطاهر، لكن فكره المبثوث في أرجاء الوطن وربوعه ما زال متأججا يافعا، وسيستمر بمن حمل الراية وسار على ذات النهج، ومعه المخلصون الاوفياء لخط مبارك دستوره نكران الذات والتضحية بكل شيء، لأجل حياة كريمة لبلد تكالب على خيراته الطامعون، والسير به الى حيث المجد والسؤدد والانتصار .
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)