عباس العنبوري
استضاف الاعلامي العراقي المعروف سلام مسافر في قناة "روسيا اليوم" طبيباً عراقياً يقيم في نيويورك في الولايات المتحدة الامريكية. وكان محور اللقاء يتركز في الحديث عن كوفيد-19 وتداعياته على سكان نيويورك، المدينة الاكثر تأثراُ بالوباء. اذ بلغ عدد الاصابات لحين كتابة هذه السطور حوالي (227) الف اصابة.
وكان واحداً عن الاسئلة الموجهة للضيف: سبب تراخي الولايات المتحدة الامريكية في فرض اجراءات صارمة على السكان للحد من انتشار الوباء؟ وكان جواب الضيف: ان الدول الديموقراطية تستمد شرعيتها من الشعوب كما هو معروف. وبالتالي فلا يمكن لأصحاب القرار ان يتخذوا اجراءات او قرارات لا يوافق عليها الناس، فهم مصدر السلطات كما هو معروف.
وان اي قرارات من الممكن ان تفهم بانها قاسية في تقييد الحركة من شأنها ان تلاقي رفضاً كبيراً من قبل الناس. ثم ذيل الضيف كلامه معلناً براءته من احتمالية اي فهم خاطئ لكلامه، قائلاً: لا اقصد بكلامي هذا القول بان الانظمة الدكتاتورية اكثر فاعلية في تحييد انتشار المرض!
لقد اصبحت مبادئ الديموقراطية في عصرنا هذا والتي تعود بجذورها الى الفلسفة اليونانية وآراء فلاسفتها منذ عصر افلاطون وما تلاه، في تحكيم راي الشعب من المسلمات الفكرية التي لا يمكن تسجيل اي اعترضات عليها.
بل وصنفت الدول على اساس قدرتها على تطبيق هذه المبادئ والتي تشعبت وتوسعت لتشمل مبادئ ساندة ومضافة: كالفصل بين السلطات، وصيانة الحريات، وحماية مبادئ حقوق الانسان وغيرها. ونتيجة لذلك وضعت المنظمات الدولية معايير تصنف من خلالها جودة الديموقراطية، بل وسلسلت دول العالم المختلفة حسب قدرتها على تطبيق هذه المبادئ.
وبذلك فقد فُرض على العقل الانساني -حتى بروز جائحة كورونا- نمطاً فكرياً يعتبر النظام الديموقراطي هو الحل الامثل لمشاكل الشعوب. وان علينا التسابق للاحتذاء بالنماذج الغربية في تطبيق الديموقراطية. وبسبب تلك الفرضية، مدت المنظمات الدولية اذرعها للبحث عن وسائل لسد فجوات التقصير والقصور في هذه الدولة او تلك. وصنفت دول عديدة، على اساس انها دول محكومة بنظام حزبي واحد كالصين.
ودول اخرى على اساس ان نظامها اوتوقراطي دكتاتوري ككوريا الشمالية. ودول اخرى ثيوقراطية (يحكمها الاله او ظله او من يمثله) كأيران. وكان لغياب ما يسمى "بالنظام الديموقراطي الفاعل"(ACTIVE DEMOCRATIC SYSTEM)عن تلك الانظمة علةُ في ممارسة الضغوط السياسية والاعلامية على تلك الدول.
وبالتأكيد، فليس الهدف من هذه السطور الدفاع عن اي شكل من اشكال الحكم المطروحة تأييداً او ذماً، بالقدر الذي اعتقد فيه ان ما احدثته كورونا من اختلال في النظام العالمي على المستوى السياسي والاقتصادي والامني، فرصة لمراجعة ما كان يفترضه البعض مسلمات وحلول سحرية لمآسي الشعوب ومصائبها.
والتي لا يمكن في يومنا هذا الا الحكم عليها بالعجز في مواجهة انشار كائن مجهري لا يرى بالعين المجردة. ومنها احياء الجدل حول فكرة الديموقراطية التي ذمها كثيرٌ ممن عمل بها ونظر لها كالفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون (المتوفى 1931)، والذي قال في كتابه روح السياسة :" لقد تعلمت في اربع سنوات قضيتها في البرلمان ان مساعي اولي الصدق والاستقامة تذهب عبثاً"!
فاذا ما اعتبرنا ان النظام الديموقراطي الوسيلة الامثل في الحكم حتى يومنا هذا، فهذا لا يعني ان المسيرة الانسانية ستقف عند هذا الحد، سيما بعد تطوير تطبيقات تكنلوجيا الجيل الخامس (5G)والتي ستحول الفرد الى رقم مسجل في قاعدة بيانات (DATA BASE) دقيقة، قد تقضي على خصوصية الأفراد الى الابد، بدعوى الحد من انتشار الاوبئة، والحد من الجريمة!
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)