د.احمد الميالي.
تؤشر حيثيات تكليف مصطفى الكاظمي لحظات ايجابية في سلاسة التكليف وهذا يعززه اتساع فضاء الاجماع السياسي الذي يعزز نيل ثقة الكابينة التي سيقدمها.
لكن حيثيات تأليف هذه الحكومة والرسائل التي بعثت بها الكِتل السياسية لاتعطي انطباعاً على انها تريد فرصة اجتراح نهج سياسي جديد ينقل السلطة من هيمنة النواة الصلبة للاحزاب الى المأسسة والدمقرطة فهذه الكِتل لاتريد تفتيت مكونات نظام المحاصصة القديم.
ولهذا من المرجح ان تعمل القوى السياسية بالضغط غير المباشر على المكلف في منحه الثقة قبال تمرير اسماء مقربة منها، او تشترط على الكاظمي اذا ماخولته الاختيار ان يبلغ اعضاء كابينته بأن هذه الوزارة او تلك تابعة وحصة هذه الكتلة او تلك، اي ستبقي على توازن المكونات في تقسيم السلطات والمناصب.. فتتحول لحظات الاصلاح المنشودة من قبل العراقيين الى خيبة امل مما يثبت ان هذه القوى تعمل على استعادة التخادم السياسي في المصالح فيما بينها وهذا ما كرسته لحظات الاجماع في تكليف الكاظمي رئيسا للوزراء، وفي هذا الحال حتى وان امتلك المكلف رؤية وطنية في برنامجه الحكومي او طرحه بعض الاسماء الموثوقة في كابينته الا انه سرعان ماستتبدد لحظات الحماس الاولى وتصطدم برغبات الكتل السياسية التي ستقاوم مشروعه وبرنامجه اذا ماسار خارج منطق التخادم الذي تم الاشتغال بالياته طيلة السنوات السابقة والقائم على منطق ابرام الصفقات التواطئية واستمرار القوى السياسية بالدفاع عن استحقاقاتها واسترجاع مواقعها وادوارها التقليدية .
لحظات الاجماع السياسي تؤشر لحظات سلبية ايضا كما اشرت لحظات ايجابية ، فقراءة هذا الاجماع ودوافعه يؤشر انه اجماعاً مسكوناً بالخوف قد ينتج عنه ازمة تدبير للشأن العام ؛ لان مثل هذا الاجماع يفرز نسقا سياسياً غير متوازن يعمل على رفض اي شيء محتمل لمعارضته وكل مايمكن ان يشكل وزن مضاد حقيقي ، ومن دون اي معارضة مؤسساتية، ويقود الى عودة المعارضة المنطلقة من الاساس الهوياتي والمكوناتي، ووضع قدم في السلطة عند النجاح وقدم في المعارضة عند الفشل، ويفرز انماط جديدة للتعبير عن الاختلاف غير المُمأسس، بالمقابل هذا سيعمل على اعادة تغذية انماط الاحتجاجات الشعبية المغلفة بملامح سياسية واقتصادية واجتماعية، مما يكرس حالة عدم الاستقرار السياسي.
مع ذلك يمكن اذا مانالت حكومة الكاظمي الثقة يمكن ان تكون قوية وتعمل جنبا الى جنب مع حكومة اقليم كردستان وتدير الملفات الخارجية بعقلانية واتزان دقيق، اذا ما اتجهت ان تكون حكومة انتخابات لا حكومة انجازات ، لان حجم التحديات والتراكمات الماثلة امام هذه الحكومة على مستوى تحقيق انجازات او ايجاد بدائل عاجلة لاختلالات الحكم في العراق او حل سحري للازمات الاقتصادية ومواجهة الفساد وتقديم الخدمات والاستجابة للمطالب الاجتماعية ، تصطدم بمعادلة الامكانات المتاحة والتحديات الصعبة . ولكن يمكن ان تنجح هذه الحكومة اذا مااختارت العمل على ان تكون حكومة تأسيس لمرحلة سياسية جديدة عبر العمل على توفير مستلزمات الانتخابات المبكرة والعمل ضمان نزاهتها بالقدر اللازم، والتي يمكن ان تحدث مخرجاتها تغيرا يتنافى الى حدٍ ما مع اوضاع العراق المتدهورة من حيث الارتهان الداخلي لاكراهات الفقر والتخلف والعقم السياسي ، والتبعية والخضوع لمراكز القوى الاقليمية والدولية المتنفذة. وهذا اهم الاسئلة التي ينتظر العراقيين اجابات من صانعي القرار عليها!
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha