محمد صادق الهاشمي
لم يعتصم الحزب الشيوعي البريطاني في عقيدته ولم يلوذ بها وهو الذي حمل رايتها لسنين، حينما انقطع عنه الفيض السوفيتي بعد تفككه، فاعلن الغاء كيانه ومؤسساته وتاريخه، وذابت فلوله التي تغنت بمبادئه في اوعية الاحزاب الاخرى٠
وجان بيدل بوكاسا زعيم جمهورية افريقيا الوسطى المثير للجدل بدل وغير دينه النصراني حينما تدفقت عليه الدنانير الذهبية الليبية، واشهر اسلامه، وفرضه على تمام شعبه بالقوة، وحينما اخبر بقصة قطع القلفة ولابد ان يكون مختونا، انتفض ورفض، وعاد الى كاثوليكيته مرتدا وكافرا، وعاد الى سيرته الاولى في اكل لحوم البشر وحطمت اسنانه الحادة ستة من وزرائه لانهم خالفوه في بعض الرأي٠
وما حصل داخل جدران الثورة الفلسطينية لايخرج عن هذا المسار، فالدول العربية كانت تبحث عن بصمة لها داخلها، لتسوق نفسها امام شعبها محليا ولتتاجر فيها باعتبارها القضية المركزية اقليميا ودوليا، وكلما كانت الدول المتداخلة اكثر ثراءا كان لها الكلمة الحاسمة بامرها، لهذا حظيت حركة فتح المدعومة خليجيا وسعودية بالقوة والرئاسة٠وحتى احزابها الاسلامية تقاطعت في ولائها للدول، فخالد مشعل قطري والزهار ايراني وهنية بين ذا وذا٠
فلهذا، لايخفى تاثير الدول الكبيرة منها والاستعمارية خاصة على فرائسها من الدول الاخرى، فترسم لها هيكلها السياسي والاداري وفقا لمزاجها ونفوذها، ففي لبنان بلد الطوائف مثالا واضحا، فبعد الحرب العالمية الاولى حازت فرنسا عليه ضمن سكينة سايكس پيكو، فصنعت فيه شيئا عجبا، اذ جمعت كل المذاهب المسيحية المارونية والكاثوليكية والپروتستانية والارثوذكسية والارمينية ( الذين هربوا اتباعها من تركيا ) وتفرعاتها في جبهة واحدة، مع العلم ان كل واحدة من هذه الطوائف تكفر الاخرى ولا تقيم لها وزنا، فان اراد الارثوذكسي فرضا ان ينتقل الى المارونيه عليه ان يجرى تعميد جديد باعتباره قد دخل النصرانية لاول مرة، في حين عمد ( اي الفرنسي ) الى الاجهاز على المسلمين وتقسيمهم الى شيعة وسنة، ثم اخرج الدروز والعلوية من بينهم امعانا في ضعفهم لتكون الغالبية للمسيحية فتتولى المارونية باعتبارها الاكبر بترشيح الرئيس من بين ابنائها فيتمتع بالقدرة الاولى، ثم يليه رئيس الوزراء السني، واما رئيس البرلمان الشيعي فوجوده شكلي ومكياجي، ولم تعدل هذه الصيغة الا في مؤتمر الطائف، اي بعد اقتحام جند حافظ اسد لبنان واخماده فوضى الحرب الاهلية، الذي تم خلاله نقل اجزاءا من صلاحيات الرئاسة واعطيت للسلطة التنفيذية والتشريعية٠
وهكذا استنسخ الامريكان ابان اسقاطهم للحكم البعثي البربري اللعبة مع الطيف السياسي العراقي الذي وافقه على مرئياته، فتم تمزيق العراق على قازوق المكونات الكردية والسنية والشيعية،
وانها لقسمة ضيزى، اذ لم تقوم الطبخة البئس، على قومية او مذهبية صرفة، فالكرد وهم في غالبيتهم سنة، صنفوا قوميا وعرقيا، ولم يدمجوا مع السنة العرب كمذهب وطائفة واحدة، فحققوا مايبغون لانفسهم من حصة مستقلة، وهكذا تم انتاج المحاصصة الخرقاء، التي اضاعت البلاد وانهكت العباد وعمقت الفساد٠
كان ينبغي على قادة الكتل والسياسيين ان يتزينوا بالوطنية والمسؤولية ويكرسوا المساواة والفرص للكفاءات والنخب العلمية المتخصصة لتنال تمثيل الامة من خلال الاقتراع العادل، لتنهض في تدبير الوطن وادارة شؤون رعاياه٠
لكن السياسيين العراقيين الميكافيلين الذين هم اردأ من ابناء الشوارع كما جاء على لسان عرابهم الامريكي بول بريمر شغلتهم مناصبهم ورواتبهم ومخصصاتهم فتركوا الوطن لمنشار المحاصصه تسلخ جلده وتظهر عظمه٠
لهفي على العراق العبقري الالمعي الذي انجب للدنيا قامات علمية وفقهية وادبية وسياسية ان يقاد اليوم بحفنة لاتفرق بين موطئ القدم وموطئ المطر، فواحدهم يرى ضرورة الانفتاح على الاخوة الدواعش، وثانيهم عندما يطرح عليه سؤلا يبتدا جوابه بوالله ماادري، وثالثهم يفتخر بزيارته لاسرائيل ويدعوا للتطبيع معها، ورابعهم يؤكد على الفدراليات الثلاث على طريقة جو بايدن، وخامسهم المتفلسف الذي درس في الموصل يقول ان نهري دجلة والفرات ينبعان من ايران والحمد لله لم يدرس في البصرة فعندها نسمع بان الرافدين العظيمين ينحدران من پاكستان، والبقية على نفس المرتبة من المترديات والنطائح والامعات٠
قال تعالى في كتابه المجيد ( يحسبون الاحزاب لم يذهبوا )٠
صدق الله العلي العظيم٠
٢٥/٤/٢٠٢٠
https://telegram.me/buratha