محمّد صادق الهاشميّ ||
الليلة من الليالي التي فجع فيها الاسلام والمسلمون بشهادة عليّ (ع) الذي شيّد للإسلام أركانه، ولولا سيف عليّ لما قامت للدين قائمة، فأرفع لصاحب العصر والزمان، وللأمّة الاسلامية أسمى آيات التعزية ولمراجعنا الكرام. وقد رأيت أنْ اتحدّث عن آية المباهلة ، وإنّما اخترتها؛ لأنّها الآية التي تتحدّث وتنصّ على أنّ عليّاً هو نفس رسول الله (ص).
قال تعالى: {... تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ...} [آل عمران : 61].
نزلت الآية في وفدٍ من نصارى مدينة نجران دعاهم رسول اللّه إلى المباهلة، فطلبوا تأجيلها إلى صبيحة غدٍ ، فلمّا رجعوا إلى أهليهم قال لهم أسقفهم: انظروا إلى محمّدٍ فإنْ بولدِهِ وأهله فاحذروا مباهلته، وإنْ جاء بأصحابه فباهلوه، فلمّا كان الغد جاء النّبي (ص) بموكبٍ إلهيّ يمثّلُ خلاصة وخيرة من خلق الله، جاء بنفسه وأسرة ابن عمّه، آخذا بيدي عليّ، والحسن والحسين يمسيان قدامهما، وفاطمة تمشي خلفهما، وخرج النصارى، يتقدّمهم الأسقف، فلمّا رأى الأسقفُ النّبي قد أقبل فسأل عنهم فقيل له: هذا ابنُ عمّه وزوج ابنته وهو أحبّ الخلق إليه، وهذان ابناه من ابنته، وابنته فاطمة .وتقدّم رسول اللّه فجثا على ركبتيه، فقال الأسقف: إنّي لأرى رجلا جريئاً على المباهلة، يا معشر النصارى إنّي لأرى وجوها لو سألوا اللّه أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله من مكانه، فلا تباهلوهم فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ إلى يوم القيامة.
وآية المباهلة هذه فيها من الدلات العظيمة:
1. تدلّنا على أنّ النبيّ (ص) صادق في دعواه، ولو لم يكن صادقاً، أو كان شاكّاً لما جاء بأحبّ خلق الله إليه، خوفاً وحرصا عليهم من الهلاك، ولكنّه جاء بهم ولم يأت بالخيرة من أصحابه، كعمّار بن ياسر، وأبي ذرّ الغفّاري، وسلمان المحمّدي، بل جاء بلبّ اللباب، وهذا كاشفٌ عن صدق دعواه، وإلّا لجاء بغيرهم .
2. تدلّ الآية على أنّ هذه الأسرة هي خلاصة الرصيد الذي يمتلكه رسول الله، وأنّ إيمانهم لا يعلوه إيمان، وهم القائل فيهم الأمين جبرائيل وقال: السلامُ عليك يا رسول الله ، العليُّ الأعلى يُقرؤكَ السلام ويخُصك بالتحية والإكرام ويقولُ لك : وعزّتي وجلالي إني ما خلقتُ سماءً مبنية، ولا أرضاً مدحيةً، ولا قَمراً مُنيراً، ولا شمساً مُضيئةً، ولا فَلَكاً يدور، ولا بحراً يجري، ولا فُلكاً يسري إلاّ لمحبَّة هؤلاء الخمسة، هُم أهلُ بيت النبوّة، ومعدن الرسالة ; وهم: فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها.
3. إنّ الآية دلّت بما لا تدع ريباً أنّ عليّاً (ع) هو نفس رسول الله، بقوله تعالى: {...وأنفسنا وأنفسكم} فقال (ص): « أنا وعليٌّ من شجرةٍ واحدةٍ، وسائرُ الناس من شجرٍ شتّى... أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنه لا نبي بعدي، وزوّجه ابنته سيّدة نساء العالمين، وأحلّ له من مسجده ماحلّ له، وسدّ الأبواب إلّا بابه. ثمّ أودعه علمه وحكمته، فقال: أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد الحكمة فليأتِها من بابها، ثمّ قال له: أنت أخي ووصيي ووارثي، لحمك من لحمي، ودمك من دمي، وسلمك سلمي، وحربك حربي، والايمان مخالط لحمك ودمك، كما خالط لحمي ودمي، وأنت غدا على الحوض معي، وأنت خليفتي، وأنت تقضي ديني وتنجز عِداتي، وشيعتك على منابرَ من نور مبيضّةً وجوهُهم حولي في الجنّة، وهم جيراني، ولولا انت يا علي لم يعرف المؤمنون بعدي ...
والحديث في عليٍّ حديث يطول غير أنّي أخذت منه بما وسع المقال، متضرّعا إلى الله أنْ يجعلنا من شيعته ومحبّيه حقاً ، لنفوز في الدارين: فعن أبي سعيد الخدري، قال قال رسول الله (ص) : يقول الله تعالى يوم القيامة لي ولعليّ بن أبي طالب: أدخلا الجنة مَنْ أحبّكما، وأدخلا النار من أبغضكما.
13 / 5 / 2020 م ، الموافق: 19 / شهر رمضان / 1441 هـ.
ــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha