✍🏻محمّد صادق الهاشميّ ||
أمس - والعراق بلد يغلب على أهله أنّهم مسلمون - وفي صبيحة أعظم ليلةٍ من ليالي شهر الله، تطلّ علينا سفارات دول ينبغي لها أن تحترم نفسها باحترام الشعب المضيّف ومقدّساته وديانته، لقد أطلّوا علينا يرفعون راية الرذيلة (اللواط) عالية فوق مبنى ممثلية الاتحاد الأوربي في بغداد، غير آبهين لمشاعرنا، وأنا كنت قد كتبت مقالاً في رفض هذا الاستهتار ، بل يكاد العراقيون – على تمزّقهم - يجمعون على رفض وشجب واستنكار هذا الفعل، ونحن كشعب نطالب الحكومة والبرلمان أن لا يمرروا هذا الأمر بسلام، فإنّ عقوبة المثليين في ديننا قاسية، فإذا لم ينتهوا من خلال الموعظة سنتعامل معهم على وفق ما تمليه شريعتنا بحقّهم.
وفي هذه المناسبة كتبتُ عن هذا الموضوع في آية اللواط. البحث في الآية التي بدأت بها الحديث يقع ضمن جهات:
(الأولى). ورد في أخبارنا أنّ أوّل منطقة وقعت فيها فاحشة اللواط هي بحيرة «طبريّة»، وهي بحيرة حلوة المياه، تقع بين منطقة الجليل في فلسطين وهضبة الجولان في سوريّة. والظاهر أنّ أوّل من ارتكبّ هذه الجريمة هم قوم نبي الله لوط، قال تعالى:{أتأتُون الفاحشة ما سبقكُم بها من أحدٍ من العالمين ... بل أنتُم قومٌ مُسرفُون}، مسرفون: أي متجاوزون الحدود، وعابرون الخطوط الحمراء.
(الثانية). إنّ ارتكاب الفواحش على قسمين:
(أ). تكون على نحوٍ تشكّل ظاهرة اجتماعية، بحيث تمارس على رؤوس الأشهاد، وقد وصل قوم لوطٍ إلى هذه المرحلة، { وتأتُون في ناديكُمُ المُنكر..}، أو قوله تعالى في ضيوف النبيّ: {وجاء أهلُ المدينة يستبشرُون}، أي يبشّر أحدهم الآخر، وفي زماننا الذي يعتبرون هذه الفاحشة من ضمن الحريّات الشخصية التي ينبغي أن تحترم، ولكننا نؤمن بقاعدة «أنّ الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم»، ولكن هذه الحرية يضبطها القانون، فهي حرية في إطار القانون، فأنت حرّ في التصرّف بسيارتك، ولكن لا يسمح لك أن تمشي بها معاكساً للسير في قانون المرور. وكذا يعطيك الاسلام الحرية في أنْ تتمتع بزوجتك، ويقول: {نساؤُكُم حرثٌ لكُم فأتُوا حرثكُم أنّى شئتُم}، ولكنّه لا يسمح لك أنْ تتمتع بها أمام الملأ، أو في الشوارع. فأنت حرّ، ولكن في إطار القانون، واللواط مخالف للقانون الإسلامي، فلا حرية هنا، ولا يسمح به أبداً.
إنّ الفاحشة إذا صارت أمراً طبيعياً، فيتوقع من الله تعالى ينزل العقوبة الاجتماعية، التي تشمل كلّ المجتمع، قال تعالى: {فلمّا جاء أمرُنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارةً من سجّيلٍ منضُودٍ * مُسوّمةً عند ربّك...} أي فلمّا جاءت إرادة الله بهلاك أهل القرية جعل عالي المدينة سافلها، (قلبها)، ثمّ لم يكتف بهذا بل أمطرها بحجارة من سجيلٍ، أي من طينٍ متحجّرٍ، و(منضودٍ) أي قد أعدّ إعداداً لهذا الغرض، (مسوّمة)، أي عليها سمةٌ. وهذا البلاء سنّة يبتلي الله أهل اللواط بها، فلا تستبعدوا ذلك، لقوله: { وما هي من الظّالمين ببعيد}.
(ب). قد تكون الفاحشة على نحو التصرّف الفردي، بحيث يستترُ بها مرتكبُها. وفي هذه الحالة يكون عقابها حسب القانوني الإسلاميّ: أنّه « يتخيّر الحاكم الشرعيّ في قتل اللّائط: بين أن يضربه بالسيف، وإذا ضربه بالسيف لزم الحاكم إحراقه بعده بالنار على ، أو يحرقه بالنار ، أو يُدحرج مشدود اليدين والرجلين من جبلٍ ونحوه. فما أعظمها من فاحشة وجريمة عند الله؛ لأنّ عظم العقوبة يكشف عن عظم الذنب، وخطوته على المجتمع.
(الثالثة) : أنّ الله شمل بالعذاب الإلهي زوجة لوط، بالرغم من أنّها لم ترتكب ما ارتكبه قومها من اللواط، قال تعالى: {إلّا آل لُوطٍ إنّا لمُنجُّوهُم أجمعين * إلّا امرأتهُ قدّرنا إنّها لمن الغابرين}؛ إنّما كان كذلك لأنّ العذاب الدنيويّ إذا جاء شمل كلّ من ساهم وعاون وتواطأ مع المجرم، بل يشمل حتى الساكت عنها، ففي الحديث عن الباقر: « إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى شعيب النبيّ: أنّي معذّبٌ من قومك مئة ألف، أربعين ألفا من شرارهم، وستين ألفا من خيارهم، فقال (ع): يا ربّ هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟! فأوحى الله إليه: أنهم داهنوا أهل المعاصي، ولم يغضبوا لغضبي»، فعلى الأمّة أن لا تسكت وإلّا فسوف نشمل بالعذاب.
(الرابعة) : يبدو أن لوطا لم يستطع أن يكسب أحداً معه في دينه، لقوله تعالى: {فأخرجنا من كان فيها من المُؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيتٍ من المُسلمين}، وهو بيت نبي الله لوط، فعلى المؤمن أن يعمل، وليس عليه أن يكون موفّقاً، {إنّك لا تهدي من أحببت} [القصص : 56]، { فلعلّك باخعٌ نفسك على آثارهم إن لم يُؤمنُوا بهذا الحديث أسفًا} [الكهف : 6]، { فذكّر إنّما أنت مُذكّرٌ (21) لست عليهم بمُصيطرٍ} [الغاشية : 21 ، 22].
(الخامسة) . حينما تسود الرذيلة تكون الفضيلة جريمة، يستحق صاحبها بموجبها التهجير، قال تعالى: {وما كان جواب قومه إلّا أن قالُوا أخرجُوهُم من قريتكُم}لماذا؟ فبين الله علته في نظرهم: {إنّهُم أُناسٌ يتطهّرُون} [الأعراف : 82].
18 / 5 / 2020 م ، الموافق: 24 / شهر رمضان / 1441 هـ
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha