محمّد صادق الهاشمي ||
قوله تعالى:{الم}، {المص}، {الر}، {المر}، {كهيعص}، {طسم}، {طس}، {ص}، {حم}، {ق}، {ن}.
--------------------------------------------
القرآن هو الكتاب السّماويّ الوحيد الذي اشتمل على تسع وعشرين سورةً من سوره تبدأ بحروف مقطّعة، وقد اختلف العلماءُ والمفسّرون في تفسيرها على وجهين:
(الأوّل): إنّنا نجهل المراد منها، فهي علمٌ مستورٌ، وسرٌّ محجوبٌ، وغيب مبطون، ودرٌّ مكنونٌ استأثرَ اللهُ بعلمه، وروت العامّة عن عليّ (ع): « إن لكلّ كتابٍ صفوةٌ، وصفوة هذا الكتاب حروفُ التهجّي».
ولكنّ علماء الكلام أنكروا هذا القولَ، وقالوا: لا يجوزُ أنْ يكون في كتاب اللّه تعالى ما لا يكون مفهوماً للخلق؛ لقوله تعالى: {أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} فقد أمرنا بالتدبر في القرآن، ولو كان غير مفهوم فكيف يأمرهم بالتدبّر فيه؟!. وقالوا أيضاً أنّ النبيّ قال: «إنّي تركتُ فيكم ما إنْ تمسّكتم به لن تضلّوا كتاب اللّه وسنّتي»، فلو كان بعضٌ منه مجهولاً فكيف يكون مرجعاً للأمّةِ؟.
(الثاني). أنّ المراد منها معلومٌ، وقد اختلفوا فيه:
(أ). أنّ هذه الحروف هي أبعاض من أسماء اللّه تعالى، ونُسب إلى سعيد بن جبير: قوله: (الر، حم، ن) مجموعها هو اسم (الرحمن)، ولكنّا لا نقدر على كيفية تركيبها في البواقي.
(ب). قال بعض الإماميّة: لو حذفنا الأحرف المتكررة منها، وأبقينا حرفاً واحداً من المتكرر لبقي : ( أ ل م ص ر ك هـ ي ع ط س ح ق ن)، ولو أعطيتَ هذه الأحرف لأيّ إنسان على وجه الأرض، وقلنا له: كوّن جملةً من هذه الأحرف فلن تخرج إلّا هذه الجملة: «عليٌّ صراطُ حقٍّ نمسكه» ، أو « صراطُ عليّ حقٌّ نمسكه».
(ج). إن هذه الحروف ذكرت لتدلّ على أنّ القرآنَ مؤلّف من الحروف الهجائية العربية التي تنطقون بها أيّها العربُ، فلو كان قد جاء به محمّدٌ فأتوا ، وسوف لا تأتون، {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء : 88]، ثمّ تنزّل عن الإتيان بمثله، وطلب منهم الاتيان بعشر سور مفتريات: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [هود : 13]، ثمّ طلب سورة واحدة:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [يونس : 38].
(د). ومن الشيعة من فسروا (كهيعص) بروايةٍ طويلةٍ منها: أنّ (ك) : كربلاء، و(هـ) : هلاك العترة، و(ي): يزيد قاتل الامام الحسين، و(ع): عين عطش الحسين، و(ص): صبره.
وهذا الأخير لو صحّ لكان توضيحا لواحدةٍ من الحروف المقطعة، ولا يصلح تفسيراً للحروف الباقية.
والحقّ مع الوجه الأوّل، ففي كتاب «المعاني : ص 23، ح 2 »، عن الصّادق (ع) قال: «(ألم): هو حرف من حروف اسم الله الأعظم المقطّع في القرآن الذي يؤلّفه النبيّ (ص) فإذا دعا به أجيب» . ففيه دلالة على أنّ الحروف المقطّعات أسرارٌ بين الله تعالى ورسوله، ورموزٌ لم يقصدْ بها إفهام غيره وغير الراسخين في العلم من ذريته، والتخاطب بالحروف المفردة سنّةُ الأحباب، فهو سرّ الحبيب مع الحبيب، بحيث لا يطّلع عليه الرقيب
بين المحبينَ سِرٌّ ليس يفشيه قولٌ ولا قلمٌ للخلق يحكيه
وهذا الرأي هو الجدير بالقول به؛ وذلك لأنّ هذه الحروف ليس فيها ظهور يكشف عن المراد بها، وليس هناك خبرٌ صحيح يبيّنها، فالقول : اننا نجهل بها، ولا نعرفها هو الحقّ، وكلّ من أعطاها تفسيراً لم يستندْ على دليلٍ وحجّةٍ وبرهان، والميل إلى هذا يطابق القرآن المصرّح بذلك، {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ، وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران : 7]. والمراد بالمحكمات: « الآيات التي هي نصّ في معناها، ولا تحتمل غيره ، والآيات الظاهرات في معانيها)، وأما المتشابهات: فهي الآيات المجملة التي لم يتضح معناها، ثم ينهى الله عن الأخذ بالمتشابه بوصف الآخذين به أنّ في قلوبهم زيغ.
قال السبزواريّ في المواهب ج1، ص 57، : « المعروف بين المفسرين أنّ هذه الحروف المقطّعة في أوائل السور القرآنية من المتشابهات، ولا ريب في أنّ العلم بها مختصّ باللّه تبارك وتعالى، أو بمن علّمه عزّ وجلّ؛ لأنّ هذه الكلمات المقطّعة قد أعيتِ العلماء على جهدهم عن الوصول إلى آثارها فضلا عن العلم بكيفية تركيبها، والاطلاع على حقائقها و أسرارها» انتهى.
ووجود هذه الحروف المحددة - التي لا نعلم بمعانيها، ولسنا مكلّفين بها - لا يعني أنّ القرآن الذي بلغ عدد حروفه (320015)، وعدد كلماته: (77439)، بينما يبلغ عدد آياته: ( 6348)، ويضمّ ثلاثين جزءًا ، وعدد سوره (114) سورةً، أنّ القرآن يصبح كلّه لا يستفاد منه.
الحمد لله تعالى الذي هدانا إلى الحقّ، سائلين المولى أنْ يحشرنا معهم.
20 / 5 / 2020من الموافق: 26 / شهر رمضان / 1441
https://telegram.me/buratha