سعود الساعدي ||
لا يبدو ان قرار الحكومة باستقطاع رواتب المتقاعدين ومن ثم الموظفين وذوي الشهداء وتجميد صرف رواتب السجناء السياسيين والرفحاويين لا يبدو انه قرار ارتجالي او انفعالي او بوحي من المستشارين. فرغم وضوح اسباب الأزمة المالية التي كتب عن اسبابها وسبل معالجتها الكثير من المختصين والمهتمين دون التأثير الحاد على الرواتب والدخل العام للمواطنين الا أن غياب الإرادة السياسية الوطنية وهيمنة الفاعل الاميركي على المشهد السياسي ومخرجاته الواقعية ابقى القرار بعيدا عن المصلحة الوطنية.
قد يكون قرار استقطاع رواتب المتقاعدين خطوة مزدوجة لتوجيه عدة رسائل منها ماهو تبريري ومنها ماهو نفسي ومنها ماهو إلهائي!.
الرسالة الاولى هي رسالة تبريرية لدفع البلد للارتماء اكثر فاكثر في احضان صندوق النقد "النهب" الدولي عبر تبرير الاقتراض الخارجي بحجج جاهزة ليس آخرها الأزمة المالية االناتجة من تداعيات وباء كورونا وانخفاض اسعار النفط فبدلا من قطع رواتب الفقراء والمعدمين والمتقاعدين والموظفين نحن مضطرون للوقوع في الفخ المزدوج المالي والاقتصادي والاجتماعي واخيرا السياسي لعملية الاقتراض من صندوق النقد الدولي وشروطها التي تعيد هيكلة الدولة وواقع مؤسساتها لتصبح اكثر خضوعا لمصالح واشنطن التي يُعد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي جزءا مهما من منظومة هيمنها وأداة مؤثرة من ادواتها الاقتصادية لتركيع الشعوب واخضاع الدول لسياساتها.
الرسالة الثانية هي رسالة نفسية رسالة تهديد وتخويف بالتجويع وقطع الارزاق وعودة ايام شد الاحزمة على البطون وسنوات الحصار الاقتصادي السوداء التي عانى فيها المواطن الأمرين وماتزال صور معاناتها المأساوية ماثلة في اذهان ونفوس العراقيين.
قرار الاستقطاع من رواتب المتقاعدين سيلغى والمستقطع من الرواتب سيعود لكن مفعول الابتزاز والاخضاع سيبقى مؤثرا وآثار الخوف ستدوم وامكانية ارتفاع منسوب السكوت والانزواء ستبرز اكثر وعندها يمكن تمرير الكثير من القرارات الهامة والمصيرية.
الرسالة الثالثة هي رسالة إلهاء واشغال للرأي العام عن أهمية وأبعاد ومخرجات الجولة الأولى للمفاوضات العراقية الاميركية والمغلفة بأكثر من محور وشعار ولكن يبقى غرضها الأول والأهم هو ادامة الهيمنة الاميركية على العراق واستحكامها وتركيز الوجود العسكري الاميركي وان كان بيافطات دولية.
تاريخيا لم تصنع سياسات الاقتراض من المؤسسات الاميركية بعناوينها الأممية دولة مستقلة بإرادة حرة واقتصاد ناجح ومواطن مرفه بل العكس تماما ولم تنجح الاساليب النفسية كالتخويف والترهيب والابتزاز في اخضاع الشعوب بل كانت لها ارتدادات سلبية في الغالب وخاصة في بيئة دولية سيالة ومتغيرة يتصاعد فيها منسوب التنافس بين الاقطاب الدولية بما يهدد الولايات المتحدة الاميركية بفقدان نفوذها في المنطقة مع بروز وتنامي مشاكلها الداخلية التي كشفها بوضوح فايروس كورونا وعمقتها الاحتجاجات ضد العنصرية.
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)