سعد الزبيدي ||
سأل ملك أحد مستشاريه :- كيف تستطيع أن تحطم عدوا دون أن تريق قطرة دم واحدة ؟
فأجابه بكل بساطة :- لا يكن ذلك حتى يكون المسؤول لصا لا يخشى الله ولا يخجل من عباده .
عندما كنا صغارا كانت تشدنا القصص الخيالية وافلام الحركة حيث تنتهي بأن ينتصر البطل النزيه على شلة اللصوص التي يكون مصيرها أن تنهي حياتها في السجن لتنال عقوبة أعمالها الشريرة .
في عراق مابعد 2003 ثبت لنا العكس فأمريكا التي احتلت العراق من أجل مصالحها المعلنة والمخفية حرصت على أن تسلم البلد إلى حفنة لصوص لا يختلفون كثيرا عن الأربعين حرامي .ولكن الرقم اختلف فالاربعين تكاثروا كالسرطان في الجسد حتى أصبح الفساد ثقافة لا يستطيع ان يقف بوجهها اقوى الأقوياء .
وهذا الفساد كانت له اسباب ونتائج فعندما عمدت أمريكا أن تؤسس المحاصصة وحمت ذلك لدستور اعور اعرج وإطرته بالديموقراطية المكذوبة وبنت عراقا آخر على أساس مكوناتي واهملت المواطنة وشجعت على قيام احزاب صار عديدها اكثر من مائتين حزب تتشابه في الأنظمة الداخلية والاهداف والشعارات الفارغة استشرى الفساد في مفاصل الدولة ووجدت امبراطوريات مالية بلعت مقدرات الدولة وتفنن اللصوص في سرقاتهم في ظل حماية احزاب السلطة التي كانت معظمها تمول من فساد العقود من إجل ديمومتها للبقاء في سدة الحكم مستغلة ضعف الجهاز الرقابي ومدى تأثيرها على المنظومة القضائية حتى راحت رائحة الفساد والسرقات واللصوصية تزكم انوف الشرفاء الرافضين للسلب والنهب الذي تمارسه احزاب السلطة .
حتى أصبح الفساد ثقافة يمارسها الجميع الا من رحم ربي فلا تعيين إلا أن تدفع رشوة ولا معاملة أو مراجعة لاحدى دوائر الدولة الا لدفع الرشى وأصبح المال الفاسد له سحر عجيب حيث استطاع في أن يحول الضحية إلى جاني فبيعت المناصب في المزاد.
وبفضل السياسات الخاطئة وسوء الادارة والتهاون في محاربة الفساد الذي ساهم فيه الجميع أصبح العراق مجتمعا ضعيفا تراجعت فيه الخدمات واحتل المراكز الأولى مابين الدول في حجم الفساد حتى أصبح الوطني النزيه الشريف يجد نفسه حالة شاذة يغرد خارج السرب وربما ينتهي به الأمر مرميا على قارعة الطريق بعد أن تخرت جسده رصاصات المجرمين
من أسس الفساد ومن دافع عنه ومن يتعكز عليه ؟!!!
سؤال قد يغيب جوابه عن الكثير ولا شك أن المحتل هو أول من أسس لهذا الفساد حينما المصارف والارث الحضاري وهرب الاثار تبعها السرقات الواضحة تأسيس صندوق دعم العراق الذي تسامت فيه مليارات الدولارات استولى عليها بريمر وعدد من المسؤولين الامريكان وبتواطيء كبير مع لصوص الساسة العراقيين .
أما من يدافع عن الفساد فهي كل المنظومة السياسية التي كانت شريك بشكل وآخر في هذا الفساد واستمراره وكانت ومازالت تدافع عنه دفاعا مستميتا ولذلك سوف تكون هذه المنظومة بالمرصاد لايةجهة تريد أن تكشف الفساد أو تقدم رموزه للمحاكمة .لذلك لاحظنا تعدد أسماء الجهات الرقابية التي فشلت ولو تأخير استمرار الفساد فمن مدع عام إلى المفتش العام والنزاهة ومجلس مكافحة الفساد الأعلى والقائمة تطول بلا جدوى فالفساد له اوجه كثيرة ففساد حكومي وفساد مستشري في كل مفاصل المجتمع الطامة الكبرى أن هناك شخصيات طفحت على السطح كانت لا تملك من حطام الدنيا شيئا أصبحت بين ليلة وضحاها تمتلك مليارت داخل وخارج العراق وهي تسرق نهارا جهارا دون خوف من رقيب .فهي محمية من احزاب السلطة ومن المكاتب الإقتصادية التي لايهمها مصدر المال قدر اهتمامها بكميته وتفنن السراق في ممارسة الفساد فكانت العقود اسهل الطرق الثراء وكثيرا ما كنا نسمع عن عقود ومشاريع وهمية كانت تذهب اموالها لجيوب الفاسدين وما يدعم حديثنا ما اكده المستشار الاقتصادي السيد رئيس مظهر محمد صالح حيث اكد في اكثر من مناسبة تبخر اكثر من 200 مليار دولة في مشاريع وهمية في وزارات الدولة الفترة مابين 2005 إلى 2019 .
ووجه الفساد كثيرة فمن فضائح لفضائيبن إلى مزادات بيع العملة إلى تهريب نفط إلى الاستيلاء على أموال الدولة والسيطرة على المنافذ الحدودية الدولية والداخلية بين المحافظات إلى بيع الوظائف الحكومية وقبض الرشى جعل العراق مرتعا الفساد .
مما ادى اى انهاك ميزانية الدولة فحجم الميزانية لا يتناسب مع عدد سكان العراق فالميزانية كبيرة جدا وبالرغم من حجم الميزانيات الاستثمارية الانفجارية يوم عبر سعر برميل النفط عتبة المائة دولار لم نلمس على ارض الواقع أي مظهر يدل على حجم المبالغ المخصصة لمشاريع ظلت حبرا على الورق والطامة الكبرى أن مع حجم الميزانيات الانفجارية لاحظنا تدني واضح في دخل كثير من العراقيين حتى صرنا نسمع أن أكثر من 13 مليون عراقي يعيش تحت مستوى خط الفقر وكان الفساد تأثيراً سلبيا على الوضع الاقتصادي فشل القطاع الصناعي والزراعي والسياحي وتراجع مستوى الخدمات الصحية وهبط مستوى التعليم وصار العراق يعاني من نقص الخدمات وعدم وجود نية حقيقية لحل ملفات الطاقة والمياه وازمة السكن وجيوش العاطلين وانتشار الجريمة المنظمة من ترويج مخدرات وبيع أعضاء بشرية ورقيق ابيض وانتشار مخيف الأماكن بيع الخمور وصالات القمار وتفكك اسري واجتماعي وزيادة حالات الطلاق والانتحار وانتشار الجريمة والسرقة جعلت العراق يصبح في مهب الريح .
وبالرغم من كل هذه النتائج السلبية من اثر الفساد لاحظنا عجزا واضحا من قبل الجهات الرقابية التي بحاجة لمن يراقبها لأنها كانت تستغل ملفات الفساد لتساوم الفاسدين ولمسنا شللا واضحا لواجبات المدعي العام ودب الفساد للقضاء نتيجة ضغوطات الاحزاب أو المافيات وهكذا تم سرقة مليارات الدولارات وراح العراق يعاني من عجز كبير في الميزانية تجبره على الاقتراض من صندوق النقد الدولي أو من دول أخرى أو تلجأ الاقتراض الداخلي .ومازال المواطن يحلم بحصة غذائية ليسد رمقه ورمق عائلته ويحلم بسكن وسقف يحمي عائلته حر الصيف وبرد الشتاء ويحلم بوطن يقدم له الكرامة مع الخبز ولكن شتان مابين الواقع والحلم .
كانت ومازالت الوزارات السيادية المصدر الأول الفساد فحجم الميزانية لهذه الوزارات يسيل لعاب الفاسدين لذلك نرى صراع كبير جدا على هذه الوزارات من اجل زيادة رصيد السراق من ميزانية وعقود هذه الوزارات فوزارة مثل وزارة النفط ستكون حتما الكنز الأول الذي يتقاتل عليه اللصوص تأتي من بعدها وزارة المالية فالكهرباء والدفاع والداخلية.
المضحك المبكي أن القاصي والداني عرف بحجم الفساد في هذه الوزارات وعرف المفسدين والغريب أن الطبقة السياسية الحاكمة الفاشلة تصر على أن تمنح هذه الوزارات لوزارء عليهم ملفات فساد وعلامات استفهام أكبر وكأن المنظومة السياسية تقول الشعب نعم أن المنصب غنيمة ونحن سنستمر في سرقتكم إلى آخر دينار في الخزينة.
وبعد مظاهرات 1/ 10/ 2019 التي انطلقت نتيجة حجم الظلم الذي وقع على اصحاب الشهادات العليا ومن ثم انتشر انتشار النار في الهشيم في أغلب المحافظات دق ناقوس الخطر للمنظومة السياسية التي لن تستوعب الدرس ولولا جائحة كرونا لكانت نتائج التظاهرات ستكون وخيمة على الطبقة السياسية فقد وصل السيل الزبى فهل من اذن تسمع وعقل يعي أن الجماهير اقوى من الطغات وان جولة الباطل ساعة وان جولة الحق إلى قيام الساعة .
والضغط يولد الانفجار وان الشعب طاقة محدودة للصبر والتحمل فهل سنشهد ثورة اصلاح حقيقية يقودها الكاظمي الذي وليد الصدفة وهل يقلب الطاولة على من اوصلوه لسدة الحكم ويستغل الزخم الجماهيري لمصلحته ويضرب بيد من حديد رموز الفساد وحيتانه ويقطع ايدي كل اخطبوط نهب المال العام واثرى من مال سحت حرام .
نحن نتأمل خيرا بالرجل فالفرصة سانحة والاجواء مهيئة والجماهير تنتظر ساعة الصفر .
وإن غدا لناظره قريب .
*كاتب ومحلل سياسي
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha