فهد الجبوري ||
أطلق تفشي جائحة كورونا في القارة الأوروبية والعالم الغربي موجة هائلة من المراجعات الفكرية والفلسفية والنقد الذاتي الذي قدمته مجموعة من فلاسفة ومفكري الغرب وكتابه المشهورين .
الفيلسوف الفرنسي الشهير ادغار موران وجه نقدا للعولمة التي كشفت أزمة كورونا عورتها ، فصارت تظهر في شكل ترابط وتبادل خال من التضامن ، اذ اتجهت حركتها الى التقنية والاقتصاد في حين فشلت في ان تعزز التفاهم بين الشعوب ، اذ أظهر الوباء حجم الأنانية والانغلاق الذي تبديه كل أمة على حدة ، داعيا الى التفكير في مسار جديد للبشرية غير العقدية النيوليبرالية ، مسارا يعيد الاعتبار لقطاعات الدولة وخدماتها الصحية والاجتماعية .
وأقر موران ان مسار الحداثة انتهى بالمجتمعات الى تدهور بنيات التضامن التقليدية ، وان استعادة أنواع التضامن هذه بين الجيران ، وبين العمال وبين الموظفين ، وبين الآباء والابناء الذين توقفوا عن الدراسة في المؤسسات التعليمية ، صارت من أكبر المتحديات المطروحة على المجتمع .
أما الفيلسوفة الألمانية سيفينجا فلاسفيلر قالت في حوار اجرته معها قناة DW بنسختها الألمانية " ان انتشار وباء كورونا وما أتاحه من العزل الصحي من فرص لتعزيز الترابط العائلي يعتبر فرصة لمراجعة النظام الرأسمالي الذي لايتيح الفرصة للعمال الاشتغال من بيوتهم ويفرض قيودا بيروقراطية لا معنى لها بحجة الرغبة في مراقبة المشغلين لموظفيهم .
واعتبرت ان هذه الأزمة منحت الناس فرصة للتفكير في عيوب الرأسمالية والحاجة الى نضال طويل ضدها وانجاز ثورة عظيمة تعيد التفكير في العناصر الفردية لهذا النظام وتضعه في دائرة المساءلة .
وتؤكد الفيلسوفة الألمانية على ضرورة استعادة المفهوم الفلسفي القديم للسعادة والذي يركز على الأخلاق ، فالأخلاق كما تقول تؤدي دورا أساسيا في السعادة .
عالم المستقبليات الألماني الشهير ماتياس هورس فقد كتب مقالا في بوابة ألمانيا (Deutschland.dc)
أشار فيه الى الجانب الإيجابي في أزمة كورونا وهو أنه يفتح امكانات جديدة ، فقد سمح لنا الفايروس بأن نلتقي باشخاص لم نكن لنلتقي بهم أبدا ، وأن نتصل بالأصدقاء القدامى ، وتعززت العلاقات التي كانت فضفاضة ، وأصبحت العائلات والجيران أكثر قربا ، وتوقفت نسبيا النزاعات الخفية . وختم ماتياس هورس توقعاته بجملة مثيرة حيث قال "لم تعد الثروة تلعب الدور الحاسم . فجأة : الجيران ، الجيدون ، وحديقة الخضراوات المزدهرة صارت أكثر أهمية .
جوزيف ناي منظر ما يسمى استعمال "القوة الناعمة" Soft Power يقول " ان خطر وباء كورونا واستفحاله أثبت ان الولايات المتحدة لا تستطيع وحدها أن تحافظ على أمنها ، بل تحتاج الى المشاركة والتعاون مع الآخرين . "
ويدعو ناي الى " ضرورة ايجاد استراتيجية جديدة ، فلن تستطيع الولايات المتحدة الاستمرار بتعريف قوتها بسيطرتها على شعوب أخرى ، بل بمشاركة هذه القوى مع الشعوب الأخرى وخصوصا في مواجهة الأخطار العابرة للحدود مثل الجوائح والتغيير المناخي ."
ريتشارد هاس الباحث والدبلوماسي السابق كتب مقالة في "فورين افيرز" Foreign Affaires قال فيها " ما نمر به هو أزمة كبيرة بكل المقاييس ، لذا من الطبيعي أن نفترض أنها نقطة تحول في التاريخ الحديث "
وأشار في مقالته الى " ان احدى سمات الأزمة الحالية هي التراجع الواضح في القيادة الأمريكية . لم تحشد الولايات المتحدة العالم في محاولة جماعية لمواجهة الفيروس أو تداعياته الاقتصادية ."
ويقول هاس في جانب من مقالته " منذ اكثر من ثلاث سنوات نشرت كتابا بعنوان " العالم في فوضى " . وصفت المشهد العالمي وزيادة التنافس بين القوى العظمى ، والانتشار النووي ، والدول الضعيفة ، وزيادة تدفق اللاجئين ، وتنامي القومية ، الى جانب انخفاض دور الولايات المتحدة في العالم . ما سيتغير نتيجة الوباء ليس حقيقة الفوضى ولكن مدى هذه الفوضى ."
ويضيف قائلا" من الناحية المثالية ستجلب الأزمة التزاما متجددا ببناء نظام دولي أكثر قوة ، مثلما أدت كارثة الحرب العالمية الثانية الى ترتيبات تعزز السلام والازدهار والديمقراطية لما يقرب من ثلاثة أرباع القرن ، وسيشمل هذا النظام تعاونا أكبر لرصد تفشي الأمراض المعدية والتعامل مع عواقبها ، بالإضافة الى مزيد من الاستعداد للتصدي لتغير المناخ ، ووضع قواعد للفضاء السيبراني ، ومساعدة المهاجرين ومعالجة الإرهاب ."
ـــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)