المقالات

عن رغيف ليس غموسه الدم..!  

1989 2020-07-12

قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com

 

يُصنِفُ المهتمون بالعلوم السياسية السياسة إلى مدرستين: المدرسة الواقعية والمدرسة المثالية؛ ولقد غلبت صفة البراغماتية على المدرسة الواقعية، فيما جرى إقران المدرسة المثالية بالصفات الأخلاقية، لترابط الأخلاق بالمُثل العليا.

المثاليون، كانوا يلاحقون الواقعيين دائما؛ بتهمة التجرد من أخلاقيات المثال، وتقديم المنفعة والمصلحة على القيم والمباديء والأخلاق.

فيما كان الواقعيون أو البراغماتيون، يردون دائما واستمرارا بالقول؛ إن السياسة هي عملية بحث عن حاجات الأفراد والجماعات أو مصالح الدولة العليا، وحين تتحقق هذه الحاجات، بطريقة أو بأخرى، تكون قد تحققت الأخلاقيات والمُثل بعينها.

على هذه القاعدة نكون إزاء تفكيرين، أحدهما مرتبط بالروح والآخر بالمادة، لكننا وقعنا في مأزق تقديم أحدهما على الآخر، ولأي منهما الأولوية: الروح أم المادة؟ العقل أم البدن؟

لم يتم حسم هذا الجدل، ولن يتم حسمه في أمد منظور بالتأكيد، لأنه قديم قِدَمَ البشرية؛ خصوصا حين يأخذ اصطفاف التفكير؛ بُعده الغربي من جهة، وبُعده الشرقي من جهة ثانية.

في الغرب، كان الانحياز إلى هذه المدرسة أو تلك؛ رهنا بطبيعة الظروف وعواملها، وكانت سمة التقلب بين المدرستين رفيقة تأريخ الغرب، وفي الشرق كانت المدرسة المثالية متلازمة مع تأريخ الشرق كله.

تتخذ المدرسة المثالية من الرمزيات الكبرى؛ والمعاني العالية غير الملموسة، أساسا وقواعد لها، وتطغى عليها مفردات ـ الضمير ـ العدل ـ الأخلاق ـ الروح ـ الفضيلة..إلخ.

المثالية لا تقدم أجوبة عملية؛ على ما تطرحه من رمزيات، ويختلف أتباع المدرسة نفسها على دلالات الرمزيات، وتتباين إجاباتهم، وبما أن عالم المُثل هو أساس هذه المدرسة، فغالبا ما تأتي إجاباتها عامة؛ بالرغم من تعددها وتباينها واختلافاتها، لأنه في الحقيقة لا توجد إجابة قاطعة؛ عن معاني مرادفات مثل؛ الفضيلة والشرف والكرامة، ويمتد الإبهام إلى معاني الدولة والنظام! هذه الأسئلة قائمة بلا انقطاع، ولكن أجوبتها منقطعة عن الحضور، والبرهان والفعل، لأن أنموذجهم لا يعدو الحاكم الفرد العادل، فلا شراكة مجتمعية بالحكم في تفكيرهم.

في المدرسة الواقعية؛ السياسة هي تنظيم المجال العام بمستوياته كافة: القانون ـ الأمن ـ السكن ـ العمل ـ العلم ـ الطبابة ـ الغذاء… إلخ، وتُعنى هذه المدرسة بتعيين الفعل وتحديده، لكن أهل هذه المدرسة لم يقدموا لحد الآن، إفاضة عن شكل النظام الذي يسعون إليه، وعن معنى العدالة فيه، وما هو فرقها عن المساواة، وكل ما طرحوه لحد الآن لا يعدو الديمقراطية، التي أدت إلى انهيار أخلاقي وقيمي في الغرب، وإلى فوضى عارمة في الشرق بنماذجها المتهرئة؛ كما هو حاصل عندنا في العراق!

في المدرسة المثالية: السياسة تعني العلو إلى عالم المثال ومن عناصره : الكرامة ـ العنفوان ـ الشرف ـ النُبل ـ الفروسية ـ الفضيلة ـ الشجاعة ـ الحكمة ـ القناعة… إلخ، وعلى الرغم من أن هذه المدرسة؛ أقدم عهدا ودهرا وعصرا من المدرسة الواقعية، فإنها لم تقدم أنموذجا رائدا طوال تأريخها، منذ ما قبل التأريخ وإلى التأريخ الذي نحن فيه، ما خلا أفرادا قلائل (علي بن أبي طالب “ع” أنموذجا متفردا!

الإنسان مفطور على القلق، قلق المرض، وقلق الأمن، وقلق الغذاء، وكل أنواع القلق تلك مادية، فالمريض يحتاج علاجا ودواءً، والخائف يحتاج سلاحا أو رادعا، والجائع يحتاج غذاءً ومأكلا، وكلما غابت أو تقلصت هذه الماديات؛ يرتفع منسوب القلق ويتحول معه الإنسان إلى الشراسة؛ وحِدّةِ الطباع ويسلك سلوك الاضطراب، مما يوقع الناس في شر بعضهم بعض…!

كلام قبل السلام: السياسة لا تعني شيئا إذا فقد الناس أمنهم، وهي صفر على الشمال؛ إذا لم يجد المرضى أدويتهم، وتصبح هراءً إذا فقد الناس أعمالهم، وهي أكذوبة إذا لم يكن لدينا ماء وكهرباء؛ ورغيف نظيف ليس غموسه الدم..!

سلام.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك