المقالات

عن رغيف ليس غموسه الدم..!  

1747 2020-07-12

قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com

 

يُصنِفُ المهتمون بالعلوم السياسية السياسة إلى مدرستين: المدرسة الواقعية والمدرسة المثالية؛ ولقد غلبت صفة البراغماتية على المدرسة الواقعية، فيما جرى إقران المدرسة المثالية بالصفات الأخلاقية، لترابط الأخلاق بالمُثل العليا.

المثاليون، كانوا يلاحقون الواقعيين دائما؛ بتهمة التجرد من أخلاقيات المثال، وتقديم المنفعة والمصلحة على القيم والمباديء والأخلاق.

فيما كان الواقعيون أو البراغماتيون، يردون دائما واستمرارا بالقول؛ إن السياسة هي عملية بحث عن حاجات الأفراد والجماعات أو مصالح الدولة العليا، وحين تتحقق هذه الحاجات، بطريقة أو بأخرى، تكون قد تحققت الأخلاقيات والمُثل بعينها.

على هذه القاعدة نكون إزاء تفكيرين، أحدهما مرتبط بالروح والآخر بالمادة، لكننا وقعنا في مأزق تقديم أحدهما على الآخر، ولأي منهما الأولوية: الروح أم المادة؟ العقل أم البدن؟

لم يتم حسم هذا الجدل، ولن يتم حسمه في أمد منظور بالتأكيد، لأنه قديم قِدَمَ البشرية؛ خصوصا حين يأخذ اصطفاف التفكير؛ بُعده الغربي من جهة، وبُعده الشرقي من جهة ثانية.

في الغرب، كان الانحياز إلى هذه المدرسة أو تلك؛ رهنا بطبيعة الظروف وعواملها، وكانت سمة التقلب بين المدرستين رفيقة تأريخ الغرب، وفي الشرق كانت المدرسة المثالية متلازمة مع تأريخ الشرق كله.

تتخذ المدرسة المثالية من الرمزيات الكبرى؛ والمعاني العالية غير الملموسة، أساسا وقواعد لها، وتطغى عليها مفردات ـ الضمير ـ العدل ـ الأخلاق ـ الروح ـ الفضيلة..إلخ.

المثالية لا تقدم أجوبة عملية؛ على ما تطرحه من رمزيات، ويختلف أتباع المدرسة نفسها على دلالات الرمزيات، وتتباين إجاباتهم، وبما أن عالم المُثل هو أساس هذه المدرسة، فغالبا ما تأتي إجاباتها عامة؛ بالرغم من تعددها وتباينها واختلافاتها، لأنه في الحقيقة لا توجد إجابة قاطعة؛ عن معاني مرادفات مثل؛ الفضيلة والشرف والكرامة، ويمتد الإبهام إلى معاني الدولة والنظام! هذه الأسئلة قائمة بلا انقطاع، ولكن أجوبتها منقطعة عن الحضور، والبرهان والفعل، لأن أنموذجهم لا يعدو الحاكم الفرد العادل، فلا شراكة مجتمعية بالحكم في تفكيرهم.

في المدرسة الواقعية؛ السياسة هي تنظيم المجال العام بمستوياته كافة: القانون ـ الأمن ـ السكن ـ العمل ـ العلم ـ الطبابة ـ الغذاء… إلخ، وتُعنى هذه المدرسة بتعيين الفعل وتحديده، لكن أهل هذه المدرسة لم يقدموا لحد الآن، إفاضة عن شكل النظام الذي يسعون إليه، وعن معنى العدالة فيه، وما هو فرقها عن المساواة، وكل ما طرحوه لحد الآن لا يعدو الديمقراطية، التي أدت إلى انهيار أخلاقي وقيمي في الغرب، وإلى فوضى عارمة في الشرق بنماذجها المتهرئة؛ كما هو حاصل عندنا في العراق!

في المدرسة المثالية: السياسة تعني العلو إلى عالم المثال ومن عناصره : الكرامة ـ العنفوان ـ الشرف ـ النُبل ـ الفروسية ـ الفضيلة ـ الشجاعة ـ الحكمة ـ القناعة… إلخ، وعلى الرغم من أن هذه المدرسة؛ أقدم عهدا ودهرا وعصرا من المدرسة الواقعية، فإنها لم تقدم أنموذجا رائدا طوال تأريخها، منذ ما قبل التأريخ وإلى التأريخ الذي نحن فيه، ما خلا أفرادا قلائل (علي بن أبي طالب “ع” أنموذجا متفردا!

الإنسان مفطور على القلق، قلق المرض، وقلق الأمن، وقلق الغذاء، وكل أنواع القلق تلك مادية، فالمريض يحتاج علاجا ودواءً، والخائف يحتاج سلاحا أو رادعا، والجائع يحتاج غذاءً ومأكلا، وكلما غابت أو تقلصت هذه الماديات؛ يرتفع منسوب القلق ويتحول معه الإنسان إلى الشراسة؛ وحِدّةِ الطباع ويسلك سلوك الاضطراب، مما يوقع الناس في شر بعضهم بعض…!

كلام قبل السلام: السياسة لا تعني شيئا إذا فقد الناس أمنهم، وهي صفر على الشمال؛ إذا لم يجد المرضى أدويتهم، وتصبح هراءً إذا فقد الناس أعمالهم، وهي أكذوبة إذا لم يكن لدينا ماء وكهرباء؛ ورغيف نظيف ليس غموسه الدم..!

سلام.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك