محمّد صادق الهاشميّ ||
كُلّ المراقبين يعتقدون أنّ العملية السّياسية في العراق تتقاطع فيها الأفكار والرؤى التي تبحث عن حلولٍ؛ لرفع الانسداد ودفع العملية السّياسية إلى الأمام، كُلٌّ من وجهة نظره التي تنسجمُ مع مصالحه ورؤيته لمستقبل العراق ولعلاقاته الخارجية ممّا يشكّل تداخلاً، وعدم إمكانية تدوير الزوايا الحادّة، وتسهيل السّير فوق التضاريس المعقّدة.
· في الجانب الشّيعي :
يجدُ (تيّارُ الحكمة) الحلَّ في بناءٍ وطنيٍّ يتأسس من خلال تجمّع برلماني (عراقيون ) ريثما يتمكّن الأعضاء من نقله إلى الميدان الشّعبيّ، ويحكم أثره على الواقع السّياسيّ الحاليّ والانتخابيّ مستقبلا .
وأمّا (سائرون): تجد نفسها الآن قوّةً كبيرةً وعدداً ووجوداً وتأثيراً، وسوف ترحل امكاناتها وممكناتها بجمهورها إلى المستقبل؛ لتحافظ على دورها الأوّل في رسم المشهد السّياسيّ المستقبليّ, وهي لا ترى لها منافساً في المساحات الشّيعية من أيّ تحالفٍ شيعيّ حتّى (عراقيون)؛ كونه خاضعاً للمتغيّرات، وبطبيعة الحال فإنّ المصالح اللّاحقة محلُّ اختبار وحدة القوم، وأمام مقولة: «المغانم والمناصب» لا يجد (سائرون) أيّ قوّة غيره قادرة على التماسك؛ لوحدة القيادة والقاعدة، فعندما ينطلق ماراثون الانتخابات قد لا تصمد إلّا الأجسام المستقرّة، وعند تشكيل الحكومة تظهر القوى الحقيقية من الهلامية فتصمد قوى وتتراجع أخرى .
وأمّا (القانون): تعاني من داخلها انشطار النصر عنها وأزمنة الآفاق وازمة معارضتها الحكومة الحالية ، ممّا يخلق لها ظرف قاهر إلّا أنّ أحدَ أجنحة الدعوة التي يقودها المالكيّ يستقوي بـ (الفتح) بينما جناح العبادي يستقوي بفضاء آخر، وإنْ كان فضاءً غير مستقرٍّ.
وأمّا (الفتح): فيتنازع موقفها اتجاهات ثلاث، وربّما اجتهادات مختلفة بين مَنْ يريد الإبقاء على (الفتح)، ولكنّ ضرورة أنْ تتغيّر موازين القيادة, وبين مَنْ يفكّر أنْ يذهبَ لوحده إلى فضاءٍ أوسع؛ لتدارك المتغيّرات الممكنة، والتكيّف معها في ظلّ فهمه إلى حتمية وجدلية المتغيّرات القادمة . ومنهم مَنْ يراوح مكانه ريثما تتضحُّ صورةُ المشهد السّياسي أكثر .
· في الجانب السّنيّ:
تظهر ثلاثة قوى غير منسجمة تأكل بعضها، وتتقارب بمساحات قليلة، وهي :
1. تحالف القوى.
2. ائتلاف المحافظات المحررة.
3. الانقاذ والتنمية .
وتعاني هذه القوى من عدم الاستقرار؛ بسبب عدم التزام أكثرية النواب بهذه الكتل، حيث نرى بين الحين والآخر تقافز نواب هذه القوى إلى هذه الجهة أو تلك، وخصوصاً عند توزيع المناصب، وتشكيل الحكومة, وقد حاول السّيد الحلبوسيّ جمع أكبر عدد من النواب السّنة إلا أنّ حظوظه تراجعت مؤخّراً بسبب تشكيل تحالف جديد بزعامة خميس الخنجر باسم ائتلاف المحافظات المحررة بواقع ٢٠ نائباً، وعدم انضمام المنافسين الآخرين لتحالف القوى، واستمرار تحالفه مع تحالف (الفتح) ممّا أدّى إلى الصّدام مع الكتل الأخرى، وخصوصا كتلة (سائرون) الذين ضغطوا باتجاه إقالته من منصبه ممّا أرخى قبضته على المكوّن السّنيّ، ولكن جعله أكثر تمسّكاً بالشّريك الفتحيّ والقانون (البناء).
ويلاحظ على الواقع السّياسيّ السّنيّ الآن بأنه فاعلاً في مدنه، ولكنهم- الأحزاب السّنية - في المستقبل سيدخلون في أزمة تعادل العدد وتساوي القوى، فينتقل الصّراع السّياسيّ إلى أحزابهم، وينتصر أحدهم بالتحالف مع الأقوى من المكوّن الشّيعيّ, فتعاد دورة الحياة لبعصها.
· في الجانب الكردي :
نجد أنّ حزبين يدورُ بينهما خصامٌ فيستقوي الديمقراطيّ بوجوده الفعليّ في قيادة الإقليم وهيمنته على مفاصل الإدارة، والآخر يحاول انتزاع القوّة منه، أو ينفصل عنه كما هدد بهذا الديمقراطي ، ولا توجد قوّةٌ ثالثةٌ.
وجدير بالإشارة أنّ دور الأحزاب الكردية، وتأثيره على القرار السّياسيّ الاتحاديّ بدأ يضعف، وفشل الكُرد في التأثير على بغداد بشكل مباشرٍ؛ لأنّ بغداد لا يوجد في يدها شيء تمنحه للكرد بعد الأزمة، بل المركز بأمسّ الحاجة إلى نفط الإقليم .
هذه صورة المشهد الحالي، الذي يُستصحب بقدر كبير إلى المشهد القادم، لكن سوف يبرز من أوساط الحراك الشّعبي طبقاتٌ مؤثّرةٌ مغايرةٌ للواقع الحزبيّ بدرجةٍ كبيرةٍ منه في المساحة الشّيعية، (المستقلّون)، و(تيّار الاعتدال)، و(المرجعية).
وأمّا تيّار السّيد الكاظمي فإنّه سيكون منافساً مهمّاً إنْ أحكم مفاعيل العمل السّياسيّ، فيتحوّل من فردٍ إلى تيّارٍ، ومن تيّارٍ إلى تحالفٍ قادرٍ على التموضع في مساحةٍ مهمّةٍ، والأمر منوط في قدرته على الاصلاحات والقرارات الجدّية التي تلامس حاجات المواطن .
لكنْ يبقى الفاعل الدوليّ والاقليميّ مؤثّراً في هذه المرحلة أكثر من أيّ وقتٍ مضى فتكون الانتخابات القادمة مرحلة فاصلة بين تيّارين وعهدين في العراق لا جامع بينهما مستقبلاً.
الخميس: 30 / 7 / 2020 م
https://telegram.me/buratha