المقالات

زلزال بيروت ...من يدفع الثمن ؟


  ابراهيم العبادي ||

سريعا بدأ السجال في لبنان بعيد الانفجار -الزلزال - الذي دمر الميناء واصاب قلب بيروت الاقتصادي في مقتل ،  وشرد 300 الفا ، وخرب عشرات الالاف من المكاتب والمنازل والابنية والشركات التجارية . انفجار بيروت الكارثي  سيكون حدثا مفصليا ليس في لبنان فحسب وانما في عموم منطقة الشرق الاوسط ،فموقع لبنان الستراتيجي ،وخصوصيته الجيوسياسية ،ونظامه السياسي الفريد ،وموقعه على خطوط طول وعرض الصراعات والحروب السياسية والطائفية ، وانقسام نخبه السياسية بين اتجاهين متعارضين ،كل ذلك يجعل من الحدث ،لحظة فارقة في زمان المنطقة الجديد ،نعم انه زمان جديد يعاد فيه صياغة التوازنات ورسم مساحة الصلاحيات ،واعادة تعريف مفهوم السيادة ،وفق معطيات القدرة على التصرف بارادة حرة وليس مطلق الحرية كما يقتضيها التعريف القانوني للسيادة . لبنان يعيد اكتشاف نفسه ، يكتشف امكانات القوة والبقاء لدولته متعددة الطوائف ،  بعد مائة عام على اعلان دولة لبنان الكبير عام 1921  ، لقد اكتفى اللبنانيون من الحماية الخارجية غير الجادة ، وهم يعيدون اليوم تعريف مفهوم دولتهم بين فكي رحى صراع مالبث يشتد بين خصوم هذه المنطقة، ودول الوصاية والتدخل فيها ،فسوريا الدولة الام تترنح بعد عشرة اعوام من الصراع والتدخل الخارجي ،والفكر الاستقلالي والتوجه الليبرالي الذي وفر للبنان بحبوحة التمايز عن محيطه العربي المثقل بمشكلات الاستبداد  ،انتهى عمليا  في اتفاق الطائف عام 1991 ،وعاد لبنان يلعق جراح الحرب والصراع الطائفي الخفي والمعلن ،ولكن ليس عبر الخنادق والسلاح كما جربه طيلة  16 عاما من الحرب الاهلية (1975-1991) ،انما عبر التنافس على من يستملك المواقع الادارية والهيمنة على المؤسسات والاطقم الحكومية،واستبدال الصراع بين اليمين غربي  الهوى واليسار القومي او الماركسي ،  بصراع بين فكرة المقاومة وفكرة التبعية  ،  ،فضاق لبنان بمساحته الصغيرة على اهله الذين تعودوا حياة الحرية والانفتاح واقتناص فرص العيش بين جبهات الخصوم وفسحات السلام الهش والقدرة على تسويق الذات بحذاقة التاجر الذي يسترضي الزبائن كل الزبائن ،  بلا بحث عن عقائدهم  وانتماءاتهم الايديولوجية ومواقفهم السياسية . بعد قرابة ثلاثة عقود  من عمر دولة الطائف واخفاق المجتمع اللبناني في تشييد (الدولة الراسخة )التي تستطيع الصمود امام عواصف المنطقة وحروبها ،حيث اسرائيل العدوانية ،  وخصومات الدول الاقليمية التي اختارت لبنان ليكون مساحة نفوذ وتجارب واختبارات لستراتيجيتها الامنية والسياسية  ... لم يعد امام اللبنانين سوى مصارحة الذات وتحديد اولويات الدولة والمجتمع في ضوء انتهاء عصر البحبوحة المالية وانكسارات الاقتصاد المخيفة وتهاوي سمعة البلد المالية  ، وتبدل التحالفات والتوازنات التي افاد منها لبنان فيما سبق من تاريخه . لبنان اليوم يصحو على كوارث بدأت صغيرة وانتهت بكارثة (البور) كما يحلو للبيارتة تسمية الميناء ،فالبور ليس محطة صغيرة يمكن استبدالها بسرعة ،بل هو حكاية من حكايات عمر الدولة المنفتحة ذات الوشائج الواسعة مع العالم اجمع ،تدمير البور يعني انتهاء حقبة من عمر الدولة ،بل كتابة نهاية لعمر الدولة الفريدة لصالح بداية جديدة لايعرف اللبنانيون كيف ستكون ؟ هل ستكرر مشكلات الدولة السابقة وصراعاتها ،؟هل ستعيد التوازن للبنان وتنهي عصر الاستقطابات الايديولوجية ؟ هل تختار التمرد على خطوط احزمة النار التي تحيط بها ؟ ام تتعايش معها وتسير في ذات الطرق التي جربتها في السابق ؟ هذه الاسئلة لن يكون يسيرا الاجابة عليها في ظل انقسام كبير بين معسكرين شرقي (مقاوم )وغربي (مساوم)، لبنان الذي عاش الفرادة المحسودة سياسيا ،لايستطيع ان يكرر هذا التفرد من جديد ، بعد ان زحفت عليه خطوط التماس الخارجية ، لكنه مضطر لتحسس موقع اقدامه في احلك فترة من تاريخه المعاصر ،فحيث يقترب الجوع والافلاس ،ويزداد ظلام الصورة التي كانت زاهية يوما  ما بالدخل الفردي العالي والحرية الكبيرة والمناخ المفعم بالتنوع والتعدد في كل شيء ، تضيق خيارات لبنان  كثيرا ، ويجد نفسه محشورا بين اتجاهين متعارضين مجددا ،  الشرق ام الغرب ،الشرق بزعامة الصين والغرب بزعامة اميركا . لقد خسر لبنان القيمة الستراتيجية التي كان عليها بوصفه محطة اتصال الشرق بالغرب  ،رغم انه لم يكسب كثيرا من موقعه الجيوسياسي الحالي بسبب ازدحام المشاريع السياسية  الضاغطة ، فخريطة المنطقة تنوء بصراع محاور جديدة ، حيث تل ابيب وباريس والرياض وابوظبي من جهة وطهران ودمشق وموسكو من جهة اخرى ، واخيرا الدب الصيني الذي يزحف بطريقة الباندا بكل ثقله الاقتصادي واستثماراته التي تعيد ترسيم خريطة العالم الجديد ضمن مشروعها الحزام والطريق  . لبنان الذي يريد اعادة اقتصاده وابعاد شبح الافلاس والجوع ،يحتاج الى استقرار وتضامن وطني جديد ،  قد يقوده الى تجربة حكومة وحدة وطنية ،وهذه الحكومة ستكون ممِثلة لجميع الاطياف والقوى المتعارضة في اهدافها وسياساتها كشرط  لضمان مجيء الدعم والاسناد والتمويل لاعادة الاعمار ،كما ان  مجيء الاستثمارات يحتاج تفهما لسياسات ومصالح الدول التي لن تمول وتدعم دونما تأكيد لنفوذها وهيمنتها وتأثيرها على القرار السيادي اللبناني ،ان عودة لبنان مركز تقاطع مصالح وتوازن نفوذ   هو ماسيكون مطلب المواطنين التواقين لاعمار بيوتهم ومحلاتهم وشركاتهم المدمرة  ،لانهم لن يفكروا بغير مصالحهم واقتصادهم ،  ومن يقدم لهم يد العون اكثر سيكون هو صاحب التأثير الاكبر ،هذا دون ان يعني ان اللبناني بلا مبادئء ولا انتماء ،انما صعوبة اللحظة الراهنة وخيار الاضطرار بين ان يجوع او يستعيد عافيته الاقتصادية هو ماسيحتم عليه الاختيار  ،كما ان القوى السياسية المحلية ستكون مأخوذة بهذا الخيار لضمان التأييد والتأثير والاحتفاظ بجمهورها  ،عودة لبنان  نقطة استجمام وسياحة وترانزيت التي هي عماد اقتصاده الوطني ستكون محور النقاش والسجال الوطني القادم اكثر من اي وقت مضى ، والاستقرار السياسي في لبنان لن يكون بغير ثمن تدفعه جميع الاطراف والقوى السياسية وهو مشروط بالتخلي عن منطق  تسجيل النقاط والمكاسب  على حساب سيادة وقوة الدولة وعلاقاتها الخارجية ،هذا الثمن يستدعي حسابات عقلانية تركن الايديولوجيات جانبا ،وتضع مصلحة الدولة والمواطن المنهك اولا ، وبالطبع لن يكون ذلك ممكنا دون توافق جدي على تفعيل مسار التنازلات بين المولاة والمعارضة ،بحيث لا يكون لبنان جزء من محور ،  ولا في عداء ضد محور اخر ،انها معادلة صعبة ،ولكنها معادلة يحتاجها مستقبل لبنان القريب ،ومستقبل الدولة البعيد ، بعد ان يكون للشعب قراره النهائي في كيفية مواجهة التحدي الاسرائيلي دونما انفراد من طرف او هيمنة لاخر .
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك