عباس العطار||
تتحكم الجغرافية في بناء أفكارنا وتُسهمُ بشكل رئيس في تشكيل الصورة السلبية للمختلف في أذهاننا، قد نعزوا ذلك لأسباب ضمن سلسلة تبريراتنا الجامدة المتوقفة عند عتبة زمنية قديمة ما عاد لها لون ولا طعم ولا رائحة.
قد نتفق بأن العزلة التي كانت منهج قسري فُرضَ من قبل الحكومات السابقة من العوامل الاكثر تأثيرا في بناء تركيبات مجتمعية متعددة، تحصنت بين الأجهزة الحكومية القمعية والعسكرية ووجدت اخرى نفسها في المنظومة العشائرية، وفضلت أخرى العيش خارج هذه الأطر فتعرضت للكثير من المظالم.
إذ تنمو هكذا تكوينات مجتمعية لسنوات طوال وفي ظل حكومات مستبدة، من الصعب أن تلتقي ثانية في هوية وطنية جامعة بعد معاناة طويلة من التهميش.
بعد عام 2003 تحللت تركيبة ما يسمى بالدولة العراقية، وتفككت معها الكثير من هذه المنظومات تحت يافطة المشروع الديمقراطي الامريكي المُحمل بمفاهيم عائمة للحريات العامة وحقوق الإنسان ونبذ التطرف والعنف والوحدة الوطنية، وخزعبلات كثيرة اتفهها هو الشكل الهجين والمشوه للعملية الإنتخابية سواء على مستوى التشكيل المحاصصاتي لمفوضية الإنتخابات او الآليات الحزبية المتحكمة بالنتائج.
قراءة الأمريكان للمشهد كان ينقصها بعض التوصيفات الدقيقة، فقد غابت عن حساباتهم تأثير بعض القوى المجتمعية على ارض الواقع .. وحين تلمسوا ذلك اعتمدوا الخطة (باء) التي تدفع بإتجاه إعادة التركيبة المفككة للواجهة عن طريق طائفية وقومية العملية السياسية، والبدء بعمليات زرع الفتنة بين الطوائف والأديان والقوميات.. لذا راهنت امريكا على بسط سيطرتها وتنفيذ مشروعها الكبير وفقا لمنهجية (فرق تسد) التي أسستها السياسة البريطانية سابقا.
عود على بدء إلى مخرجات البناء العقائدي التي ولدت تبعا لتك الجغرافيات فإن الشكل العام للهوية العراقية متشظي وضائع بين هذه المساحات الجغرافية ومنهجية السياسة التي أنتجت إنسانا متطرفا ذات اليمين وذات الشمال.
إذا ووفقا لهذه المخرجات المتشابكة يبدو الأمر ليس باليسير لكنه ليس بالعسير ايضا، فمقومات قيام نهضة مجتمعية تعيد الهوية العراقية بمشروع له ملاحم خارج التوصيف السياسي المعمول به حاليا .. وآليات تختلف تماما عن العرف السياسي السائد .. تحتاج إلى ارادة ودراية معا.. ولا تتحقق الارادة إلا بتوافق النخبة افقيا مع القنوات الشعبية المستقلة، والدراية هي دراسة مستفيضة للوضع الداخلي والمحيط العربي والاقليمي والدولي.
فهل يمكن ولادة مشروع بهذه الملامح؟
وهل يمكن أن يكون النموذج الصحي الذي يتمكن من انتاج للهوية الوطنية الموزعة بين الجغرافيات؟
كتب المقال العام الماضي في ١٠-٨-٢٠١٩
A.G.alattar
https://telegram.me/buratha