واثق الجابري ||
عُدت المادة 76 من الدستور العراقي، واحدة من أهم المواد الخلافية، التي أثرت على كل مفاصل الدولة.. فقد بدأت الخلافات على تفسير مفاهيمها ومراميها، ويجري البحث في أوج حاجتها بعد فترة كل إنتخابات وخلال فترة تشكيل الحكومة، ولا ينتهي الجدل فيها لحين تشكيل الحكومة اللاحقة.
تشير المادة آنفاً بأن الحكومة تشكلها الكتلة الأكبر، وتأتي على أثرها عدة استفهامات متكررة ومتنوعة في كل دورة، من رئاسة البرلمان والجمهورية والكتل السياسية، وتساؤلات الشارع العراقي عن الكتلة التي شكلت الحكومة لكي يحملها مسؤولية التقصير.. إلاّ أن الاستفهامات تتوقف عندما ينتهي التفسير ضبابياً..
عندما تُسأل المحكمة الإتحادية عن من يشكل الحكومة، فيكون الجواب الكتلة الأكبر، وعند تكرار السؤال يكون الجواب؛ الكتلة الأكبر التي تتشكل قبل إنعقاد أول جلسة برلمانية! وهكذا يُفسر الماء بعد الجهد بالماء، وتنتهي الدورة ولا أحد يعرف من هي الكتلة الأكبر، ولا من هي القوى التي لم تُشارك بتشكيل الحكومة، كي يسند لها دور الرقابة وتبني المطالب الجماهيرية، بل لا أحد يفكر بالذهاب للمعارضة، سوى في تجربة يتيمة لتيار الحكمة الذي عارض حكومة عادل عبدالمهدي، وتحالف النصر الذي أستمر موقفه ضبابيا بين المعارضة والمشاركة..
تجربة المعارضة هي الأخرى تعرضت لسيل من الإنتقادات؛ كونها خارجة عن العرف السياسي المعتاد عندنا، حيث الأغلب يشارك في الحكومة ويعارضها، يأخذ حصته وينتقدها بنفس الوقت، وعدتها أطراف أخرى بأنها وسيلة للإلتحاق بركب المتحاصصين؛ لا خطوة متقدمة لإدامة حيوية العمل الديموقراطي.
يبدو أن الكتل السياسية تمني النفس بأن تكون هي الكتلة الأكبر، أو في تحالف تحت هذه التسمية، ولكن الواقع يثبت أنه أفراط في التعددية، ومهما حصلت أية كتلة من مقاعد، فلن تستطيع تشكيل الحكومة ، وتحالف أية أطراف أخرى يمكن أن يفوقها عدداً ولا يسمح بتمرير من تختاره، وربما تمضي تلك القوى وكما معتاد بالتحالف المؤقت أو بمعنى أدق إتفاق تشكيل الحكومة وتقاسمها، سرعان ما ينفرط بنيل كل طرف حصته، وتتبرأ كل القوى من كبوات الحكومة، لأن القوى لم تتفق أو تتحالف على أساس برامج، بل إجتمعت لكسب لغة الأرقام.
يُعطي هذا الواقع نتائج حتمية لا تُغيّر من سابق أخطاء التشكيل والنتائج، وتجتمع الكتل الشيعية لترشيح رئيس مجلس الوزراء، من الكتلة الأكثر عدداً بينها أو إتفاق أغلبيتهم على شخصية محددة، وبنفس الآلية تحدد الكتل السنية والكوردية ؛ رئاسة البرلمان والجمهورية، وهذا ما يعزز طائفية المنصب، وينعكس على بقية مناصب الحكومة وعملها ومفاصل الدولة، ويُعزز الإنقسام ويفتح بابا لمشكلات مستقبلية؛ لفرضية حصة المكون ولايحق لمكون آخر الإعتراض وإبداء الملاحظات، وبذلك حملت أخطاء السلطة التنفيذية على رئاسة مجلس الوزراء والمكون الذي إختاره، وكأنهم وحدهم من يديرون الدولة، أو أن القرارات والتنفيذ الحكومي يتخذ بالأغلبية، ولا توجد تقاطعات بذريعة المكونات، وصولاً الى قانون الإنتخابات الذي يعزز المناطقية.
إن القوانين وضعت لمعالجة خلل، والكتلة التي تترأس الحكومة هي من تشكلها كاملة؛ لا من تختار رئيس مجلسها فقط، وكما يبدو أن الفهم السياسي والتفسيرات؛ تنصب بأن الكتلة الأكبر هي من تختار الرئيس، ويلتحق البقية في إكمال التشكيل، وهذا يعني مشاركة أغلب القوى؛ أن لم تكن جميعها، وكأن الحكومة والبرلمان جماعة يحركها عقل جمعي، ولا أحد بذاته يحمل أعباءها ومسؤولياتها.
الكتلة الأكبر أن صح التفسير، فأن لها القدرة على تشكيل الحكومة كاملة، وقادرة على تمريرها بأريحية، وبما معناه أمتلاكها 50% +1 من المقاعد أو أكثر، وهنا يكون لها الأغلبية في مجلس الوزراء والبرلمان، وبذلك تمرر القوانين دون تأثير إعتراض الأقلية، وبذلك يحتاج تفسير المادة 76 من الدستور الى توضيح، يُذكر فيه بأن الكتلة الأكبر؛ هي كتلة من مجموعة مقاعد تفوق نصف المقاعد تتحالف بشكل أصولي قبل أول جلسة برلمانية، وفي حال إنفراط هذا التحالف أو حصول تحالف بعد تشكيل الحكومة بفترة، يحق لذلك التحالف سحب الثقة من الحكومة وتشكيل حكومة يتبناها، وبالتفسير الصحيح يُقطع الطريق أمام تحالفات تُبنى للحصول على مكاسب التشكيل، وتنفرط أو تدعي عدم المشاركة بعدها لإرضاء الجمهور ، وبهذا الكتلة الأكبر عندها أكثر من نصف المقاعد، ويكون التشريع معالجة علة أو ترسيخ للديمقراطية، لكون الأغلبية تمثل أغلبية الشعب، وأن أُريد المحافظة على حق المكونات، يمكن أن تكون الكتلة الأكبر تجمع كل المكونات، و الأقل بنفس التركيبة.
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha