المقالات

من دولة الايديولوجيا الى دولة المعاش !


 

ابراهيم العبادي||

 

انطلق جدل جديد في اوساط النخب العراقية على خلفية الدخول المبكر للسباق الانتخابي،محور الجدل يدور حول الصورة التي سينتهي اليها المشهد السياسي ،هل سنشهد تغييرا حقيقيا في المشهد ؟،هل سيخرج العراقيون بحلول مبتكرة لمشكلات الدولة والمجتمع في ضوء تجارب السبعة عشر عاما المنصرمة ،وبعد سلسلة اخفاقات مريرة واختبارات قاسية ؟ هل قرأ السياسيون والزعامات والاحزاب الحراكات الجماهيرية قراءة موضوعية جادة  ،  وخاصة حراك تشرين ،  الاطول والاعمق والاخطر في تاريخ النظام السياسي الجديد في العراق  ؟.هل سنشهد سلوكا سياسيا وانتخابيا جديدا يستجيب لتحديات ومشكلات العراق ،لننتقل الى مرحلة عقلانية من الاداء والادارة تقنع الناس بالسلطة ولاتدفعهم  الى الاحتجاج عليها  مجددا ؟.

لقد قرأ الكثير من الاسلاميين في داخل العراق وخارجه  (احتجاجات تشرين)قراءة (صراعية) تماما ،واعتقدوا انها ضد نوعي ،علماني ليبرالي ،يتحرك ضمن مشروع التغيير الناعم الذي يستهدف قوة ونفوذ جماعات الاسلام السياسي الشيعية ليس في العراق،بل حتى خارجه  ،قليلون جدا من الاسلاميين من حاول الابتعاد عن هذه القراءة ذات المنظور الامني -الايديولوجي -الصراعي ،في مقابل ذلك لم تخرج القراءة المضادة  عن المتبنيات الايديولوجية هي الاخرى ،فقد تبنى سياسيون ومثقفون وكتاب واعلاميون ، قراءة متفائلة -رغبوية ،اعتقدوا فيها ان ماحصل من احتجاج  ، هو انقلاب جماهيري على (الاسلاموية) ، وان موجة وعي مضاد، ستطيح بالسلطوية الاسلامية بما يمهد لتغيير جدي في المسار السياسي ،يعيد انتاج الدولة في العراق على اسس جديدة تخرجها  من مشكلاتها المعقدة ومنها ارتهانها  للصراع الامريكي -الايراني .

ربما يكون هذا الاستقطاب بين الرؤيتين استقطاب نخب وليس استقطابا للجمهور،  المبتلى بهواجس ومخاوف بعيدة عن المشاريع الفكرية والايديولوجية ،فالمجتمع المنقسم اساسا بين مكونات وطوائف واعراق،صار يقارب مشكلاته اليومية من زاوية (مظلوميته ! )وتأخذ المظلومية ابعادا خطيرة ، حين تكون نواتها الصلبة عقائدية-تاريخية ،فتنشأ عنها النزعات الانفصالية والاستقلالية او الخطط الانقلابية الثأرية ،كما يقول الباحث التونسي  (علي الصالح مولى).

 فالمشكلة المعقدة التي تعانيها الدولة في العراق ، ليست الانقسام الهوياتي فحسب ، وشعور كل مكون بمظلومية خاصة !  ،بل تلبيس الصراع السياسي اليومي -وهو صراع وتنافس ازلي في كل المجتمعات  - لباس الايديولوجيا ،فيغدو الاحتجاج على الفشل والفساد ونقص الحكمة ، والاندفاعية الهوجاء ،والشعاراتية الاعلامية ،كأنه احتجاج على المذهب والطائفة والدين !!!!؟؟؟

ولكي  يستمر الدفاع عن المواقع السلطوية مقبولا  ،يصبح  شعار الدفاع عن المذهب والطائفة والمشروع السياسي ، محور الحملات الانتخابية،  والتعبئة اليومية ، والايحاء النفسي، والخطاب الاعلامي ،وتتحول الانتخابات الى صراع هويات وقتال محاور يعادي احدها الاخر عداءً وجوديا  ، لتدور معركة السياسة والسلطة  بأسلحة زائفة ولاهداف غير صادقة ،لاتتناول  القضايا الاساسية التي تهم الجمهور ،وهي قضايا الاقتصاد والمعاش والخدمات   والحريات والمستقبل ،وكيف يمكن ولوج المستقبل بأطمئنان ؟  اذا كان حاضر  المجتمع يلهث وراء اوهام ،  ويطارد اشباح (المؤامرات ) وهم ينسجون مشروعا  يريدون به  القضاء على الاخر  ومسخ هويته  وتغيير ثوابته  !!.

لقد بدأ حراك جماعات الاسلام السياسي الشيعية باكرا باتجاه نسج التحالفات الانتخابية ، ولم تفكر  بمراجعة  خطابها ومشروعها واهدافها ، منتشية بالعيش على  اوهام الخوف المرضي على الاسلام والمذهب والمشروع الاسلامي !!!

 بدون اعتراف بالمشكلات الحقيقية التي دفعت الناس الى المطالبة بالتغيير ،وليس الانشغال بأثبات مسؤولية السفارات والبعث والجوكرية عن تحريك الشارع مع الاعتراف بعدم براءة الاحتجاج من العيوب والمثالب الخطيرة !! ،وبدل ان يراجع ساسة السنة وزعاماتهم ، المواقف والافكار والسياسات والخطابات ، التي حملّت مناطقهم وجمهورهم الكوارث وجعلتهم فريسة افكار التطرف والنشوز السياسي   ،فانهم مازالوا يكررون خطاب (المظلومية ! )لشد عصب الجمهور السني،  بعيدا عن مشكلاته اليومية التي تتماثل مع مشكلات الشيعة في الوسط والجنوب ،ويكثف الساسة الكرد خطاب تحميل بغداد والحكومة المركزية والعرب عموما بسياساتهم الشوفينية !!

 مشكلات الرواتب والفساد والمحسوبية وهجرة المواطنين والطبقية المتزايدة ،دونما مراجعة للسياسات والاداء والخطاب.

المؤكد ان هذا التفكير السائد ،  سيهيمن  من جديد على الانتخابات القادمة ،لتأتي النتائج بلا تغيير جدي ولا أمل في (نضج)سياسي يخرج الجمهور من دوامة مشكلات تستعصي على الحل ، بلا تغيير سياسي ولا فكر دولة جديد ، يعيد مقاربة مشكلات العراق دونما  ارتهان للخطوط الفكرية السابقة . الانسان  العراقي يتوق الى التغيير  والتغيير السلمي مرتبط هذه المرة  بقوائم انتخابية وتحالفات عابرة للطوائف والقوميات ، ذات برامج سياسية تتضمن حلولا جدية لقضايا الدولة الريعية المتهالكة ،بما فيها المالية العامة  والرواتب والخدمات والتعليم والصحة والقانون ،والعلاقة مع الخارج ، واذا لم ينهض تيار سياسي جديد وفق هذه الرؤية يخاطب الجمهور بموضوعية وليس بثوريات وانقلابات ،فان  الانتخابات ستشهد مقاطعة كبيرة ، وسيعيد ارباب السلطة انتاج انفسهم بالاعتماد على جمهورهم الحزبي وعلاقاتهم   الزبائنية ورشاهم  الانتخابية ،مع تغيير طفيف في الوجوه لا في السياسات ،واذا ماتحقق هذا (السيناريو) فان مصير   العراق سيكون اكثر قتامة من ذي قبل  في لحظة عالمية سيئة   !!.

ـــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك