✍️ إياد الإمارة ||
▪ إنها مفارفة غريبة جداً سيما والعالم بهذا المستوى من التطور والرقي المعرفي الذي قطع أشواطاً بعيدة..
نحن نسمع عن إكتشافات الفضاء وأجزاء الذرة والإستنساخ البشري، كما نسمع عن ثورة الإتصالات ووسائل التواصل وتكنلوجيا النانو المثيرة..
عالم يتطور بسرعة خارقة .. هذه الحقيقة الأولى.
الحقيقة الثانية لا ترتبط بالتراجع الذي نحن فيه أمام كل هذا التطور، وإن كنا نستخدم التكنلوجيا المتطورة ونتفاعل معها وقد نفهم منها شيئاً..
الحقيقة الثانية مرتبطة بإختيارات النخبة وتوجهاتها في مراحل زمنية مختلفة..
دعوني أوضح الموضوع أكثر:
في مرحلة ما مِن تاريخ حراكنا في العراق وأجزاء أخرى من المنطقة كانت الخيارات مبنية والرهانات محسوبة على أساس "الوعي والمعرفة" بحيث كانت النخب الحركية مِن مختلف المشارب تعمل على أساس مشروع الوعي والثقافة وصناعة المعرفة، ونتج عن ذلك جيل واسع من المثقفين الواعين الذين استطاعوا شق طريق حراكهم وسط موجة هوجاء من العنف والإرهاب المقيت..
الوعي الذي خلق إرادات صُلبة تحملت المقاصل وأحواض التيزاب والزنازين المظلمة والطوامير الإنفرادية، ولم تتراجع طرفة عين.
الخيار كان الوعي..
الرهان كان الوعي..
كان ذلك في خمسينيات و ستينيات وسبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي بكل الحصار والإنقطاع الذي عاشه شباب تلك المرحلة العصيبة.
بعد هذه الحقبة المضيئة من تاريخ حراكنا المشرف وبعد كل التطور الذي شهده العالم من حولنا، عدنا لنجد أنفسنا في بدايات قرن جديد أمام واقع فيه الخيار والرهان قد تغيرا وبإتجاه معاكس..
الخيار هو الجهل والرهان على التضليل!
وبدلاً من الإعتماد على الوعي والمعرفة أصبح الإعتماد على الجهل وقلة الوعي وإنعدام المعرفة.
أي مفارقة تلك؟
أنا لا أُريد البحث في أسباب ذلك لأنه يحتاج إلى مساحة واسعة جداً، لكني أُريد أن أضع هذه النتيجة أمامنا جميعاً لكي نقيم الواقع الذي نعيشه اليوم بكل التردي الموجود فيه.
تلك هي المفارقة..
وهي طامتنا الكُبرى التي لا نحاول إنتشال أنفسنا منها أبداً، كما لا تحاول نخبنا الدينية ولا السياسية رفعها عنا فبين مَن يدعي انه قد بُح صوته وهو أساساً لا صوت له لأنه خُلق ساكتاً، وبين مَن صغُر حجمه وهان طموحه إلى درجة انه لا يستطيع التفكير إلى مدى أبعد من بطنه وما تحتها، بين هؤلاء وهؤلاء نطوي المرحلة الأعقد من تاريخ هذا البلد القلق جداً.
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha