مازن البعيجي
مع أوّلِ خيوطِ الفجْرِ من هذا الصباح، أبلغَني الأخوة في حركة النجباء ، عن وصولِ جثامين كوكبةً من الشهداء ، وعلينا الحضور لتشييعِها ، فذهبتُ باكرًا والشمسُ لم تلبس ضِيائها بعد ، كانَ موعِدنا عندَ المغتسل لحين وصولِ الموكب ، هناك : بينما انا في زاويةٍ أنتظر ، همستُ لنفسي: أنتِ الآن بانتظارِ شهيد لتوَدّعِيه! هل تعرفينَ معنى التشييع لمجموعةٍ من الشباب قد تركوا هذه الدنيا بقناعةٍ ورباطةِ جأش وتصميم؟هل علمتِ يانفس مَنِ الذي دفعهم لكي يتركوا الاهل والولد والحياة؟ إنًّهُا العقيدة، نعم! حينما تترسّخ تُثمِرُ عِشقًا ، والعِشقُ يُثمِرُ تضحيةً، وليسَ غيرُ الشهادةِ شرفٌ يُصدِّقُ ادّعاءَ العاشِق في محضرِ المعشوق!!
لقد ساقتهُم نِياقُ القناعةِ وحبُّ الدفاعِ المقدّس عن الإسلام المحمديّ الأصيل الحسينيّ المقاوم، فَسارَعوا حيثُ احتضانُ المنيّةِ على أرضٍ تستحِّقُ منهم الدفاعَ والفداء، عن الوطن العقائديّ الكبير ، وعن أي حياضٍ مقدسٍ يَرونَ حفظَهُ بالمهجِ والأرواح .
انتظرُ شهيد ... وفي عمقِ جوانحي غِبطةً لهُ ، بل أحسُدهُ على نعمةِ جمالِ ختامِ حياتهِ!! مُباركٌ لكَ أيها الشهيد، أنكَ رحلتَ وخُتِمَ لك بمثلِ كرامةِ الشهادة، فهَلْ بعدَ هذا من مُنى وقد نِلتَ غايةَ المنى!!،
أمّا مثلي، فقد بقيَ يَنتظرُ والقلقُ يأخذُ مأخذَه ، تُرى هل ستكوني يانفسُ يومًا في عِداد الفائزينَ بنيلِ هذا الوسام؟! وهلْ ستُكرَّمُ ياجسدي كما التكريمُ لمثلِ هؤلاء؟! وأيّ عملٍ ممكن أن اقدّمَهُ لأحضى بهذا الشرف لأكونَ شهيد؟!
سأجيبُكِ يانفس: فَوالله لا شيء يَعدِلُ منزلةَ الشّهداء غيرَ العلماء وأنا لستُ منهم!
ننتظر شهيد ...أمّا هو ، فقد بدأَ لهُ اليومَ ومن هذه اللحظات ، مشوارٌ جديد، رِفْقةٌ من نوعٍ آخر ، مع قومٍ آخرين ، لا يشبهوننا بشيء، لاظاهرًا ولاباطِن، فقد بدا لي كلُّ شيءٍ مختلف،
(فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)السجدة ١٧
وفي لحظةٍ خُيِّلَ لي ،أنّ هناك مَن سيكونُ بانتظارهم ، ولعلّهم أمَراءُ الجنّة كما الحاج قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس!! فازدادتْ غِبطتي لهم وبكيت،، يالسعادتِكمْ أيّها الشهداء!! فجأةً ،انتبهتُ لنفسي وكأنّي في حُلُم والدموعُ تَغمُرُ عيناي، ياالهي ، فهل أجملُ مايُراودُ العشّاق غيرَ حُلمَ الشهادة !!
سيّما من يَعرِفُ قيمةَ تلكَ النشأة الآخرة، والحياة الزاهرة، التي يخْلُدُ فيها عظماء النفوس ، وسادة الوجود ، وشهداء الحقّ ، أولئك الذينَ صَدَقوا وأخلَصُوا ، وأنجَزوا ماعليهم من تكْلِيف بخالصِ النوايا، ومحضِ الثبات ، فَخُتِمَ لهم بالشهادة، وخيرُ الختام ومِسْكهُ، "القتل في سبيلِ اللهِ تبارك وتعالى ،وهو غايةُ المنى.
( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) الاحزاب ٢٣ .
البصيرة ان لا تصبح سهماً بيد قاتل الحسين ومنه يسدده على دولة الفقيه ..مقال قادم نلتقي..دمتم)..
https://telegram.me/buratha