أ.د علي الدلفي || رسالةُ (المُعلِّم) مِنْ أسمىٰ الرِّسالاتِ وأشرفها! إنَّ الشّعوبَ لا تنهض إلّا بالعلمِ والمعرفةِ. والمُعلّمُ هو الوسيلةُ الأمثلُ لصنعِ المُجتمعِ المُتطوّرِ القويّ النّاهضِ ثقافيًّا وعلميًّا؛ والقادرُ علىٰ حمايةِ وطنهِ وثرواتهِ وإنجازاتهِ ومكتسباتهِ ومصالحهِ الحيويّةِ. لا أريدُ في هذهِ الذِّكرىٰ أنْ أُكيلَ المديحَ للمُعلِّمينَ ولكنّني أريد أنْ أُبرّزَ دورهم في صنعِ المُتعلِّمينَ وإعدادِ الأجيالِ؛ وبنائهم بناءً نفسيًّا وعلميًّا وفكريًّا سليمًا وسلميًّا بحيثُ تتمكّنُ هذهِ الأجيالِ مِنَ المُتعلِّمينَ للارتقاءِ بوطنها؛ وأمّتها؛ وواقعها إلى المُستوىٰ اللّائقِ، وبحيثُ تتمكّنُ لبناءِ الوطنِ والمجتمعِ. وفي هذهِ اللّحظةِ يطيبُ لي أنْ أشكرَ كُلَّ مَنْ كانَ لهُ عليّ فضلٌ لأنْ أصِلَ إلى هذا الارتقاءِ لأخاطبَ مَنْ أخاطبُ. إنَّ تعاليمَ الرّسالةِ السّماويّةِ المُحمّديّةِ وتوجيهاتِ خاتمِ الأنبياءِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لنا؛ هُمَا مَنْ صَنَعَا منّا مُعلِّمينَ وأعطيانا الحقَّ بالمُخاطبةِ. فلهما كلُّ الشّكرِ والتّقديرِ والاحترامِ وهذهِ رسالتنا ما هي إلّا رسالةُ الرّسولِ الأمينِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومهنتهِ ونحنُ ندركُ تمامَ الإدراكِ وبما لا يدع مجالًا للشّكِّ أنَّ الضّميرَ اليقظ؛ والإيمانَ الصّادقَ بعظيمِ رسالتنا؛ هما مصدرُ الإلهامِ لمعرفةِ كلِّ مُتطلّباتِ (شرفِ المهنةِ) التي شرّفنا اللهُ بها؛ وهي أمانةٌ ورسالةٌ ساميةٌ؛ وهي مهنةٌ ليست بالسّهلةِ؛ إذْ تقفُ عليها أجيالٌ يُنتظرُ منها أنْ تكون أجيالًا تتربّى على القيمِ الإسلاميّةِ والأخلاقِ الحميدةِ. وواجبنا الوقوف مع هذهِ الرّسالةِ والمهنةِ السّاميةِ. إنَّ رسالةَ المعلّمِ من أسمى الرّسالات وأشرفها، وأمانة من أعظم الأمانات وأثقلها؛ لأنَّ المعلّمَ يتعاملُ مع النّفسِ البشريّةِ التي لا يعلمُ إلّا اللهُ بُعْدَ أعماقها واتساع آفاقها؛ فهو يحمل رسالةً ساميةً يعدّ فيها جيلًا صالحًا مُكتنزًا بالعلمِ والمعرفةِ. لَمْ تعدْ رسالةُ المُعلّمِ مقصورةً على التّعليمِ، بل تعداها إلى دائرةِ التربية؛ فالمُعلّمُ مربٍّ أوّلاً، وقبلَ كلِّ شيءٍ، والتّعليمُ جزءٌ من العمليّةِ التربويّةِ. ويتأكّدُ هذا الدورُ في ظلِّ هذهِ المتغيّراتِ الزّمنيّةِ والعديدةِ وفي ظلِّ تقنيةِ المعلوماتِ المتنوّعةِ عبر الأنترنتِ التي نشهدها هذهِ الأيام. وكما أنَّ له حقوقًا عليه؛ أيضًا؛ واجباتٍ. ومنها: الإخلاصُ في العملِ؛ والولاءُ للمهنةِ؛ والالتزامُ بها؛ والاهتمامُ بنموّ طلّابهِ من جميعِ النّواحي المختلفة؛ وغرسُ القيمِ والاتجاهاتِ السّليمةِ والسّلميّةِ من خلالِ التّعليمِ. فهو القدوةُ الحسنةُ لطلّابهِ في تصرّفاتهِ وسلوكهِ وانتمائهِ وإخلاصهِ وتوجيهِ الطلّابِ وإرشادهم وتقديمِ النّصحِ لهم باستمرارٍ وعلى كلِّ الأصعدةِ. إنَّ التّعليمَ رسالةٌ وليس مجرّدَ مهنةً! يعي المعلّمُ دورهُ ويتحرّكُ بدافعٍ ذاتيّ داخليّ مدركًا لرسالتهِ ويسعى لتحقيقها. والمعلّمُ المؤمنُ برسالتهِ يتفاعلُ مع قضايا النّاسِ والمُجتمعِ ويتعايشُ معهم ومع معاناتهم ولا يغفلُ عنها عندَ القيامِ بواجبهِ الوظيفيّ، إنّه المعلّمُ الذي يستطيعُ دمجَ فنّهِ وتدريسهِ بهذه المعاناةِ وتوجيهِ طلابهِ إلى الاهتمامِ بها والتّفاعلِ معها. ويشترطُ بالمعلّمِ المؤمنِ بمهنتهِ وشرفها أنْ يكونَ صادقًا مع أبناءِ مجتمعهِ من طلبتهِ وغيرهم. فالمعلّمُ المؤمنُ برسالتهِ عليه أنْ يسيرَ نحو تحقيقِ هدفهِ الرّساليّ وتسخيرَ كلّ طاقاتهِ وإمكاناتهِ لذلك. وعليه أنْ يتابعَ نموّه الأكاديميّ جنبًا إلى جنبٍ مع النموّ المهنيّ حتّى يتابعَ كلّ جديدٍ ويكون مرجعًا لطلابهِ وزملائه مع الاهتمامِ بالتّخصّصاتِ الأخرى خاصّة ذات العلاقةِ بموضوعِ تخصّصهِ حتّى يقدمَ لطلّابه نسيجًا متناسقًا وكاملًا من المعلوماتِ. وإنَّ الوصولَ إلى قلوبِ طلّابه أمرٌ جدُّ يسيرٍ والطريقَ إلى محبّتكم قريب، ذلك أنّ المعلّمَ الذي يحترمُ عمله يدخلُ غرفةَ الصّف وهو منظّمٌ لخطواتهِ، ومدركٌ لما يريدُ أنْ يشرحه، لا يجد عسرًا في التّعاملِ مع طلابهِ والتّفاعلِ معهم، فإذا أضافَ إلى ذلك حبًّا واحترامًا لطلابهِ، وأشعرهم أنّه صديقٌ لهم وأنّه يغتنمُ فرصةَ الدروسِ ليجعلَ منها لقاءً ودّيًّا دائمًا مع أصدقاءٍ يحبّهم ويحبّونه؛ يحترمهم ويحترموه؛ يجلّهم ويجلّوه... وأخيرًا يبقى المُعلّمُ ركنًا أساسيًّا في التّخطيطِ والتنميةِ والإصلاحِ الحقيقيّ الشّاملِ، فإنْ أرادوا ترسيخَ دعائمِ الأمنِ، فهو رجلُ الأمنِ الأوّلِ. وإنْ أرادوا إصلاحًا اقتصاديًّا فعلى يديه ينمو الاقتصادُ ويتجدّدُ النّجاحُ به، وإن كان من الأولوياتِ التّنميةُ الدّينيّةُ والخلقيّةُ فهو المربّي لا من خلالِ الوعظِ بل القدوةُ الصّالحةُ. ختامًا..أقولُ منْ أجلِ المعلّمِ نقفُ تقديرًا واحترامًا لكلِّ مَنْ أدركَ رسالتهُ وقامَ بها على أعلى مستوًى فتحيةُ إكبارٍ وإجلالٍ ووفاءٍ لهم على ما قدّموا لهذا الوطنِ الغالي وبذلوا من أجلهِ ما استطاعوا. ورحمَ اللهُ أميرَ الشُّعراءِ عندما قالَ: قُمْ للمُعلِّمِ وفّهِ التّبْجِيلَا كادَ المُعلّمُ أنْ يكونَ رَسُولًااشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام https://telegram.me/buratha