أ.د علي الدلفي ||
اتفقنَا أو اختلفنَا كعراقيّينَ (سنّةٍ وشيعةٍ)؛ أو (شيعةٍ وشيعةٍ)؛ أو طوائفَ أخرىٰ مُتعدّدةٍ ومنقسمةٍ علىٰ ذاتها؛ سمتنا جميعًا (الخلاف والاختلاف)؛ لا بُدّ علينا؛ جميعًا؛ أنْ نعيَ الحقيقةَ النّاصعةَ بعيدًا عنِ الأحقادِ والضّغائنِ؛ وجوهرها: إنَّ هذا السّيّد لا ريبَ فيهِ هدًى للمُتقينَ! وعرضها: تتعلّقُ بلقاءِ الحبرِ الأعظمِ (البابا) الأعلىٰ في المسيحيّةِ الكاثوليكيّة في العالمِ؛ وهو قطبُ رحى المسيحيّةِ ومركزها في الكرةِ الأرضيّةِ؛ مع زعيمِ الإسلامِ العلويّ (الشّيعيّ) في العالمِ ومرجعها الأعلىٰ آية الله سيّدِ النّجفِ الأشرفِ السّيستانيّ العظيمِ.
يقولُ أهلُ العقلِ والفلسفةِ: الحقُّ أحقّ أنْ يُتّبع أبدًا؛ إذْ لا يحقُّ للإنسانِ أن يضعَ قدمًا مع الحقّ وأخرى مع الباطلِ، فإنّ ذلكَ قَدْ يُسمّىّ: (نفاقًا) و(خداعًا). قال عزّ وجلّ: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ). إنَّنا نعتقدُ أنّ المرجعيةَ الدّينيّةَ تعدُّ اليومَ جبهةَ الحقّ التي أسّسَ أركانَهَا أهلُ البيت (عليهم السّلامُ)؛ لتكونَ ملجأً للأمّةِ في زمنِ الغيبةِ التي يَعتقدُ بها (الشّيعةُ) اعتقادًا مُطلقًا؛ فلا ينبغي أنْ يستظلَّ (المؤمنُ) بظلٍ ينافي ظلّها.
وإنَّ دورَ السّيّدِ السّيستانيّ في العراقِ مُنْذُ (٢٠٠٣) إلىٰ يومنا هذا لا مثيلَ لَهُ ولا يُقاسُ بدورٍ آخرَ علىٰ جميعِ الأصعدةِ (السّياسيّةِ؛ والاجتماعيّةِ؛ والدّينيّةِ؛ والاقتصاديّةِ؛ والثقافيّةِ؛ والفكريّةِ)؛ لَقَدْ نهضَ بمسؤوليّةِ الحفاظِ على بلدٍ مُمزقٍ؛ وأعادَ خياطةَ أوصالهِ. ففي وقتِ السّلمِ كان السّيستانيّ (طبقًا للرسالةِ التي بعثها إلى الأخضر الإبراهيميّ قبل سنواتٍ) يقودُ جهدًا فريدًا واستثنائيًّا؛ لإنقاذِ العراقِ مِنْ براثنِ الفتنةِ؛ وَقَدْ استطاعَ بحكمتِهِ وحلمِهِ وصبرِهِ أنْ يخمدَ كُلَّ الفتنِ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ. وفي وقتِ الهدرِ وحَمْي الوطيسِ أصدرَ السّيستانيّ فتواهُ العظيمةَ التي أنقذتِ العراقَ؛أيضًا؛ من نارِ الإرهابِ والتّكفيريّينَ والمُتطرّفينَ؛ وفي أحيانٍ كثيرةٍ يكون قرارُ إعلانِ الحربِ ليسَ سوىٰ محاولة لأنْ يسودَ السّلامُ... فمنَ أعادَ الأمنَ والأمانَ وشيوعَ السّلام هُمْ أبناؤهُ مجاهدو الح ش د الش ع ب ي؛ ومنْ معهم؛ الذين دافعوا عن المسيحيّاتِ والمسيحيّينَ؛ والإيزيدياتِ والإيزيديّينَ؛ والمسلماتِ والمُسلمينَ؛ وحرّروهم من قبضةِ الظّلمِ وغياهبِ الجهلِ وجحيمِ التّخلّفِ. يقولُ رئيسُ أساقفةِ إيبارشية أربيل الكلدانيّة (المطرانُ مار بشار متي وردة): (إنَّ لقاءَ البابا فرانسيس بالمرجعِ الدينيّ الأعلى السّيّد عليّ الحُسينيّ السّيستانيّ جاءَ لمكانةِ النّجفِ والتأكيدِ على القواسمِ الإنسانيّةِ المشتركةِ؛ إضافة إلى مكانةِ المرجعيّةِ والسّيّد السّيستانيّ؛ إذْ كانتْ لها مواقفُ في الأعوامِ الأخيرةِ يشيدُ بها القاصي والدّاني؛ ممّا يوجب وقفة وتقديرٍ؛ وإنّ ما يجمعنا هو أكثرُ ممّا نختلفُ عليهِ عقائديًّا). وأودُّ أنْ أسردَ؛ أيضًا؛ ما قالَهُ (البروفيسور جيمس كريهام) كبيرُ الباحثينَ في منتدى (ليوفورم) البريطانيّ بحقّهِ؛ وَقَدْ أنصفَهُ وشهادتُهُ بمثابةِ حجّةٍ علينا؛ لَمْ يُبالغ أو يتحيّز بل نطقَ صدقًا وذكرَ حقًّا؛ قالَ: إنَّ المرجعَ الدينيّ الأعلى والأبّ الروحيّ للمسلمينَ (الشّيعةِ) السّيّد عليّ الحُسينيّ السّيستانيّ هو أعلمُ علماءِ المُسلمينَ قاطبةً (شيعة وسنّة) وأكثرهم زهدًا في الحياةِ؛ ويسكنُ في دارٍ صغيرةٍ جدًّا ليستْ ملكًا لهُ في مدينةِ النّجفِ الأشرفِ (فاتيكان الشّيعةِ)؛ ويعيشُ عيشةَ البسطاءِ من الشّعبِ (فطوره وهو جالسٌ على الأرضِ نصف رغيفِ خبزٍ عراقيّ مع استكان شاي. وبعد صلاةِ الظهرينِ يتناولُ نصفَ رغيفِ خبزٍ مع قليلٍ من التمرِ واللبنِ والملحِ وأحيانًا بعضَ الخضراوات المحلية! لايتناولُ العشاءَ ويكتفي بالشاي فقط. له طقمٌ واحدٌ من الملابسِ الصيفيّةِ ومثلها شتويّةٍ.
السّيّدُ السيستانيّ قام ببناءِ وتشييدِ وإنشاءِ المئاتِ من المستشفياتِ والمستوصفاتِ ودورِ العجزةِ ودورِ العبادةِ ودورِ الأيتامِ ومراكزَ للأراملِ والمؤسساتِ الخيريّةِ والثقافيّةِ والتعليميّةِ والإنسانيّةِ والخدميّةِ في كافة أرجاءِ المعمورةِ (بمليارات الدولارات) تأتيه من (الخمس) الذي يدفعه الشيعةُ للحاكمِ الشرعيّ. ولدى السيستانيّ استراتيجيّةٌ عادلةٌ في توزيعِ أموالِ الخمس؛ مثلًا عندما يقوم ببناءِ مستشفًى في إيران يتمُّ بناءُ تلك المستشفى بأموالٍ إيرانيّةٍ فقط. أي من أموال الخمس التي يدفعها شيعةُ إيران إلى المرجعِ السيستانيّ. وأموالُ (خمسِ شيعةِ العراقِ) يصرفها على شكلِ رواتبٍ شهريّةٍ لأكثرَ من مليونِ يتيمٍ وأرملةٍ ومحتاجٍ داخل العراق فضلًا عن بناءِ مجمعاتٍ سكنيّةٍ للفقراءِ ومدارسَ وجامعاتٍ وجوامعَ ومستشفياتٍ ومراكزَ ثقافيّةٍ وغيرها. وبحسبِ تقاريرَ رسميّةٍ أنَّ الأيتامَ والأراملَ والفقراءَ الذين يرعاهم السيستانيّ في العراقِ عبر المؤسّساتِ الخيريّةِ والدّينيّةِ والاجتماعيّةِ التّابعةِ (للحوزةِ العلميّةِ) في النّجفِ الأشرفِ أكثر بأضعافٍ من الذي تصرفهُ الحكومةُ العراقيّةُ الغنيّةُ في المجالِ نفسهِ. ويرعى السيستانيّ الملايينَ من الفقراءِ في (أفريقيا والهند وباكستان وإيران وبنكلادش وغيرها من الدول)؛ كما قامَ وبأموالِ (خمس الشّيعةِ في أوربا وأمريكا) ببناءِ وشراءِ عشرات البناياتِ وقام بتحويلها إلى مساجدَ وحسينياتٍ للمسلمينَ المغتربينَ وعوائلهم وأطفالهم لكي يحافظَ على هويتهم الإسلاميّةِ وعدمِ إنخراطهم في المُجتمعاتِ غيرِ الإسلاميّةِ.
أعتقد جازمًا أنَّ سماحةَ السّيّدِ السّيستانيّ العظيمِ؛ مرّةً أخرىٰ؛ سيصفعُ المُشكّكين والمُرتابين؛ ثُمّ تستمرَّ مِحنَتُهُ مَعَنا.
https://telegram.me/buratha