جمعة العطواني ||
يبدو ان ازمة الثقة بين الرلمان والحكومة قد دخلت على الخط بشكل واضح ، من خلال الالية الجديدة التي يحاول ان ينتهجها البرلمان لحل نفسه استعدادا للانتخابات المزمع اجراؤها في منتصف تشرين الاول المقبل .
يحاول البرلمان ان يضمن بقاءها لحين اجراء الانتخابات ، ويخشى ان يصوت على نفسه قبل شهرين من موعد اجرائها لاحتمال ان لا تجرى الانتخابات في ذلك الوقت الذي لم يحدد بشكل رسمي ، وعندها سندخل في اجتهادات دستورية لا تستطيع المؤسسة التنفيذية والتشريعية ان تعالجها بسهولة ، فاين المخاوف ، واين تكمن المشكلة الدستورية ؟
لتحديد المشكلة او المخاوف التي تجعل البرلمان يتعامل مع الحكومة في ملف الانتخابات ك(لبعة القط والفار )،لابد من العودة الى مواد الدستور المتعلقة بالانتخابات المبكرة ، فالمادة ( 64) من الدستور هي التي عالجت عملية حل البرلمان لنفسه ، والية اجراء الانتخابات المبكرة.
فتنص المادة 64 على الاتي :
اولا: يُحَل مجلس النواب بالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه ، بناءا على طلب من ثلث اعضائه او طلب من رئيس مجلس الوزراء بموافقة رئيس الجمهورية.
ثانيا: يدعو رئيس الجمهورية عند حل مجلس النواب الى انتخابات عامة خلال مدة اقصاها ستون يوما من تاريخ الحل ، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مستقيلا ويواصل تصريف الامور اليومية .
اذا لحل البرلمان نحتاج الى تصويت بالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه .
ومتى يصوت البرلمان على حل نفسه ؟
يصوت على حل نفسه باحدى طريقتين هما
الاولى : طلب من ثلث اعضائه، وعند حصول هذا الطلب يصوت المجلس لحل نفسه .
الثانية بطلب من رئيس مجلس الوزراء وموافقة رئيس الجمهورية يقدم الى رئاسة مجلس النواب للتوصيت بالاغلبية المطلقة ايضا.
ففي كلا الحالتين نحتاج الى التصويت بالاغلبية المطلقة .
المقترح المطروح في اروقة البرلمان يتضمن التصويت خلال هذا الشهر او بداية الشهر المقبل لحل نفسه، لكن تاريخ الحل ينفذ فبل يوم من اجراء الانتخابات ، وهذا الالتفاف يعبر عن مخاوف البرلمان من حل نفسه قبل ستين يوما من موعد اجراء الانتخابات، و قد لا تجرى الانتخابات ، او ربما يصوت على حل نفسه لكن رئيس الجمهورية لا يحدد موعدا محددا للانتخابات، وينتهي عمل البرلمان وتبقى الحكومة مستمرة في عملها الى ما شاء الله ، وان كانت بصفة تصريف اعمال.
اكثر من ذلك فالسؤال الذي يطرح نفسه هو ا: ن الحكومة تتحول الى تصريف اعمال عندما يصوت البرلمان على حل نفسه ويحدد رئيس الجمهورية موعد الانتخابات، لكن ما هو الوصف القانوني للحكومة اذا حل البرلمان نفسه ولم يحدد الرئيس موعدا للانتخابات ؟
من جانب اخر فان الجهات التي تريد التصويت على البرلمان على ان ينفذ قبل يوم من موعد الانتخابات المفترض تريد ان توصل رسالة الى الراي العام العراقي وكذلك الى الاطراف الاخرى التي تدعوا الى اجراء انتخابات مبكرة ، تريد ان تقول اننا على استعداد للتصويت على الانتخابات لكن بضمانات ، ومن هذه الضمانات ان البرلمان يبقى مستمرا في عمله وتشريعاته الى قبل يوم من موعد اجرائها، واذا كنتم جادين في اجرائها فعلى الرئيس ان يحدد الموعد الذي اتفقنا عليه ، فالتصويت متحقق والموعد متحقق والكل يتحرك باطمئنان .
هذا الاسلوب يعبر عن ازمة ثقة كبيرة بين المكونات البرلمانية من جهة، وبينها وبين الحكومة ورئيس الجمهورية ايضا من جهة اخرى ، فالمعلومات لدى بعض صناع القرار تشير الى وجود نية مبيتة لحل البرلمان على ان لا تجرى الانتخابات ولا يحدد لها موعد ، ولتبقى الحكومة لتصريف الاعمال، او ربما تخرج لنا المحكمة الاتحادية في تفسير للمادة 64 تقول فيه ان حل البرلمان ساري المفعول ،وبما ان الرئيس لم يحدد موعدا للانتخابات فتبقى الحكومة بكامل صلاحياتها ، فكل شيء ممكن في اجتهادات المحكمة الاتحادية وقراراتها ملزمة للجميع .
الاشكالية الاخرى الواردة هنا هي كيف للبرلمان ان يصوت على حل نفسه قبل سبعة اشهر من موعد اجراء الانتخابات ولا ينفذ القرار الا بعد مضي سبعة اشهر ، بينما يجب ان يصوت على حل نفسه في مدة لا تقل عن ستين يوما من موعد تحديد الانتخابات من قبل الرئيس؟ فالمادة الدستورية تتحدث عن اقصى المدة ولم تتحدث عن اقرب المدة ، يعني بامكان البرلمان ان يحل نفسه قبل سنة من موعد الانتخابات المحددة ، لكن كحد اقصى يجب لا تتعدى ستين يوما ؟
هذه التساؤلات تعبر عن طبيعة الاشكاليات الدستورية المتعلقة بنية التصويت على حل البرلمان لنفسه من جهة ، ومن جهة اخرى تعبر عن ازمة الثقة بين القوى السياسية والحكومة ورئاسة الجمهورية جعلت البرلمان يحتاط كثيرا قبل التصويت على حل نفسه .
https://telegram.me/buratha