د. جهاد العكيلي *||
سياسة النقطة الحرجة من الأساليب السياسية المهمة التي تساعد الدول في فرض النفوذ والتوغل عبر مناطق استراتيجية مهمة في أي بقعة من العالم، وهذا الاسلوب اعتادت عليه الدول في انتشار وجودها العسكري والاقتصادي والسياسي ليتسنى لها البقاء والهيمنة على ثروات الشعوب الفقيرة، مستخدمة بذلك أساليب ذكية للدخول لأي منطقة مهمة تخدم مصالحها الإقليمية او الدولية وجعلها منطقة حرجة لأطراف اخري منافسة لها في السيطرة والنفوذ ..
وقد برعت الولايات المتحدة الامريكية منذ نشأتها في خلق الحجج والذرائع للدخول لتلك المناطق، اذ استطاعت بهذه السياسة تحويل كثير من دول العالم الي مناطق حرجة تخدم مصالحها، وبالتالي فرض الهيمنة عليها وجعلها تدور في دائرة محيطها السياسي والاقتصادي ..
من جانبها حاولت روسيا الاتحادية الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي السابق الذي انهار بفعل رياح التغير السياسي البروسترايكا ان تلعب الدور نفسة، لكنها كانت قد فشلت في تسعينيات القرن الماضي وتفكك الدول الحليفة لها ، وقدر تعلق الامر بالصين كقوة دولية اخرى فقد اتبعت الأسلوب الاقتصادي لجعل دول كثيرة في العالم الثالث مناطق حرجة تخدم مصالحها الاقتصادية غير انها لازالت في محل صراع مع الولايات المتحدة الامريكية للانفراد بالعالم اقتصاديا وتجاريا وتوسيع قواعد الاستثمار الصيني ..
وقدر تعلق الامر بالعراق الديمقراطي الخاضع للاحتلال الامريكي بشكل او اخر منذ العام 2003 فأنه يعد احدى اهم المناطق الحرجة لموقعه الاستراتيجي في المنطقة العربية بل والشرق الاوسط عموما ، فهو يشكل أغرب التكوينات لنقاط الالتقاء الحرجة للغاية ، سواء فيما ما يخص دول الجوار المحيطة به او الدول القريبة والبعيدة عنه، فالعراق على هذا الوصف الحرج صار اشبه بمائدة طعام مختلفة التكوين ومتغيرة المذاق لا يمكن معرفة دقة مكوناتها، وذلك بسبب تداخل عناصر تكوينها، إذ تجد العراق نقطة حرجة كردية ــ أمريكية وامريكية ــ خليجية، وإيرانية ــ عراقية، وخليجية ــ عراقية وهكذا دواليك ..
ولكن التداخل الإيراني ــ الأمريكي في العراق يعد الاصعب من بين هذه النقاط والتي باتت واضحة في الصراع بينهما على شكل نقط لصراع النفوذ وفرض الارادات ولي الاذرع، غير أن من الواضح ان للولايات المتحدة الامريكية ادواتها وتدخلاتها القديمة والحديثة ما يساعدها في التمدد او السيطرة في العراق، لكن في المقابل فان إيران لعبت دورا مهما في العراق اتعب الوجود الامريكي بشكل كبير من خلال موقعها الجغرافي البري والبحري الذي شكل نقطة حرجة للولايات المتحدة الامريكية ما ينذر بوقوع خطر او صدام محدق على الابواب في حال فشل المفاوضات النووية المنعقدة بين الطرفين في العاصمة فينا ..
اما في الجانب السياسي الذي يمثل وجود ايران في العراق ، فقد شكلت فيه نقطة حرجة أخرى لتحدي الوجود العسكري الامريكي في العراق ، وبسبب تقلبات السياسات العراقية مع ضغط الشارع العراقي، أصبح هذا الجانب اشبه بعقد منفرطة حباته في النوايا والاتجاهات، فهو ظاهريا يشكل لونا واحدا لكنه الامزجة السياسية وتفرعاتها باتت لا تشكل قرار واحدا يمكن الاعتماد عليه بسب الرغبات السياسية والخلافات بين فرقاء الساسة العراقيين ..
وبسب هذه العوامل وغيرها الكثير مما لا يتسع لذكرها الان أصبح الجانب الإيراني قلقا ازاء الوضع السياسي الجديد في العراق في حالة بقاء نقاطه الحرجة التي شكلتها في العراق غير منسجمة وغير متماسكة لا في الأهداف ولا في النوايا، خصوصا وإن المرحلة الراهنة التي دخلت فيها خيارات عديدة منها ما هو شعبي بعد ان فقد الشعب ثقته بالأحزاب التي شاركت في إدارة الحكم في العراق، ومنها ما يتعلق بإيران التي لطالما حاولت جاهدة توحيد الرؤى بين الكتل والتيارات السياسية الحاكمة التي فشلت في استخدام السلطة وكسب ثقة الجمهور الي جانبها، لكنها لازالت مشغولة بتوجيهات وطموحات وامزجة القوى التي تعتمد عليها ،مما دفعت بالعراق باتجاه نقاط اكثر حراجة ، وهو امر يدفعنا للتساؤل من اننا لا نعرف بأي اتجاه سوف يذهب اليه العراق وعند أي نقطة حرجة تتكون منها السياسة العراقية اللاحقة لا سيما وإن انتخابات العام 2021 على الابواب؟ ..
*كاتب عراقي
https://telegram.me/buratha