علي فضل الله ||
إصطلاحا"، ف (الدولة) كثيرة هي التعريفات التي وردت بخصوصها، واحدة من تلك الإصطلاحات هو ( إن الدولة إقليم يتمتع بمنظومة حكومية وإستقلال سياسي وسيادة كاملة على كامل إقليمها ومنظومتها الحكومية وقرارها السياسي) وللدولة أركان أساسية يجب أن تتوفرحتى نقر بوجود كيان الدولة، الغريب الذي لاحظته منذ دراستي الأكادمية الأولية ولحد ألان، في موضوعة أركان الدولة، إن أغلبية المصادر تشير إلى ثلاثة أركان وهي الشعب والإقليم الجغرافي( الأرض) والسلطة السياسية، متجاهلة لأهم ركن فيها منذ بزوغ نظريات العقد الأجتماعي وهو الضابط لهذه الأركان الثلاثة، ألا وهو(الدستور)، والذي ينظم ويضبط العلاقة ما بين الحاكم والمحكوم ، ومابين سلطات الدولة الثلاث، وفيه تبيان للحقوق والمسؤوليات ما بين الفرد وحكومته، ومن خلاله أي ( الدستور)نعرف مدى إلتزام السلطة بعقدها السياسي مع أفراد الشعب من عدمه.
إذن مع وجود الدستور تصبح التسمية الأمثل هو الدولة الدستورية، وفي العراق من المفترض أن تكون الدولة دستورية، ولكننا وللأسف الشديد نعيش منذ سقوط النظام السابق ولحد ألان، على غياب مشروع الدولة الحقيقية، وفق المعايير الدستورية، والمتعارف عليها دوليا"، أو على الأقل هنالك ضبابية في تطبيق مشروع الدولة الدستورية، فيا ترى الخلل، إين يكمن؟ في أي ركن من أركانها الأربعة، أو بتوضيح أدق، إن الأركان الثلاثة الأولى لقيام الدولة، تمنح مسمى الدولة، لكنها تبقى تعاني من إستبداد سلطتها السياسية الحاكمة لمؤسسات الدولة وأفرادها، ,وإذا ما توفر الركن الرابع وهو الدستور أصبحت الدولة دستورية، وسلطة الطبقة السياسية تصبح (مقيدة) لا مطلقة.
لكننا رغم وجود الدستور والذي صوت عليه الشعب منذ سنة 2005 ولحد ألان، لم يستقم أمر الدولة العراقية، والأنكى إننا شهدنا فوضى سياسية عارمة، حيث إن هنالك إستئثار بالسلطة من قبل الطبقة السياسية، على حساب الشعب ومصالحه، فكان نتاج ذلك، طبقة سياسية تتحكم بمقدرات الدولة العراقية، تعيش حالة من الثراء الفاحش، تلك الطبقة لا تتجاوز 5% من عموم الشعب، مع تراجع وإنحدار لنسبة الطبقة الوسطى، والتي هي أساس إستقرار البلد، وتضائل تلك الطبقة يعني تضائل الأستقرار السياسي والإجتماعي وأكيد الأقتصادي، مع إرتفاع لنسبة الفقر والفقراء.
لماذا ذلك؟ والدولة العراقية، دولة دستورية مكتملة الأركان! التجربة العراقية أثبتت إن النظام السياسي العراقي، ورغم إقرار الدستور فيه، إلا إنه دولة دستورية (شكلية)، والسبب في ذلك هو الطبقة السياسية الحاكمة، التي أستأثرت بالسلطة وأستباحت مفاصل الدولة العراقية لتحقيق مصالحها الحزبية والشخصية، وأكذوبة الدولة الديمقراطية! لا محل لها على أرض الواقع، وكل الذي حصل بعد سنة2003 إننا ودعنا نظاما" سياسيا" دكتاتوريا"، يحكم من فرد وحزب واحد، ليحل محله نظام سياسي جديد، استطيع أن أسميه( نظام الأحزاب الدكتاتورية المتعددة )(تقاسم السلطة) أو نظام الأحزاب العشوائية المتعددة، الشبيهة بعشوئيات السكن المنتشرة في كل البلاد، لا نمييز فيه الداخل من الخارج.
وهنا لا بد أن نبين كثيرة هي الخروقات الدستورية، التي أرتكبتها الطبقة السياسية، لتكون سببا" في وهن الدولة العراقية، وهشاشة النظام السياسي، والأصح إننا نعيش حالة اللانظام أي (اللادولة)، وتلك حالة اللادولة، جعلت العراق مستباح من الداخل والخارج، لتكون أجزاء الدولة أقوى من الدولة نفسها، هذا إن كان هنالك (دولة) بالمعنى الدستوري.
هل من حل لذلك؟ نعم.. مع كثرة الخروقات الدستورية، لكن لا بد من منهجية معالجة حقيقية، تنقل النظام السياسي في العراق من فوضوية ( اللادولة) إلى دستورية (الدولة)، عبر ألية واقعية ( لمن الأولوية في المعالجة الدستورية)، وعلة المعالجة والتصحيح تكمن في المادة 76 من الدستور العراقي تحديدا"، والتي تنص على ما معناه ( الكتلة البرلمانية الأكبر التي ترشح رئيس مجلس الوزراء والذي يقوم بدوره تشكيل السلطة التنفيذية)، وقد يقول كثير من المختصين والمراقبين للمشهد السياسي العراقي، إن الكتلة البرلمانية كانت حاضرة في الدورات البرلمانية الثلاث الأولى، لكننا لم نشهد وجود مشروع الدولة الحقيقي، أقول: نعم، تعرفون لماذا لم ينبثق مشروع الدولة؟ لأن التكتل كان شكليا" يتلاشى بعد تشكيل الحكومة وتقاسم المغانم، ولكي نفعل المادة بمضمونها التشريعي، نحتاج لما يلي؛
1_ تحالف برلماني سابق للإنتخابات.
2_ يقوم التحالف على أساس المفهوم المؤسساتي الأستراتيجي (طويل الأمد) وليس مرحليا" بعد الإنتخابات، لديه هيئة رئاسة، ولجان رئيسية وفرعية.
3_ يضم التحالف عموم مكونات المجتمع العراقي، ليكون موضع ثقة لعموم الشعب.
4_ يضع معايير حقيقية لا تتقاطع وروح الدستور العراقي، لأختيار الكابينة الوزارية، في حال فوزه بالإنتخابات، مع برنامج إنتخابي وبرنامج لعمل الحكومة.
فتكون الحكومة من نتاج الكتلة البرلمانية الأكبر، بعيدا" عن التوافقات السياسية، فتنال ثمار نجاحها إن نجحت، وتتحمل مسؤولية فشلها إن تقاعست في أداء واجباتها الدستورية، بالمقابل ستنبثق المعارضة الحقيقية التي تترصد عمل الحكومة وتسائلها عن كل صغيرة وكبيرة.. عندها نغادر ضبابية وفساد اللادولة.. وننعم بمشروع الدولة الحقيقي، الموضوع تناولت أطره الرئيسية، والخوض في تفاصيل الرؤية التي طرحتها يحتاج لبحث مطول ومفصل، وهذا ما لا يمكن سرده بمقال، لكنني وضعت مسارا" عمليا" وواقعي من أجل مشروع الدولة.