مُحمَّد صادق الهاشميّ ||
مرّت الرِّسالة الإسلاميّة بمنعطفاتٍ خطيرةٍ، وكادت التحديات أن تأتي على أُسسها، وهذا هو المشهد الحاكم في تأريخ المسلمين، فقد بذلت القوى المعادية عبر التأريخ جهدها للنيل من الرّسالة الإسلامية،والسعي لتغيير جوهرها وتهميش دورها، ولو ركّزنا على التأريخ
-وبالخصوص المعاصر- لوجدنا الأحداث متصلة كحلقات متسلسلة تتكامل وتتّجه إلى هدفٍ واحد وهو تهميش حاكمية الإسلام من خلال القتل والتحريف والاختراق وإلغاء دور المسلمين ومنع نهضتهم .
نفس الكلام يصحّ حينما نعود إلى الوراء، فما لقيه الإسلام المحمدي الأصيل وقادته الكبار من (محاولات انقلابية) كما يعبِّر عنها الشهيد الصدر الأول في كتابه (فدك في التأريخ) كان واضحاً أنَّ القيادات القبلية،والأعداء لا تنسجم مخططاتهم مع فكر الرسالة المحمّدية، وقد أدركت تلك القيادات الخطرة الصهيونية أنَّ الطريق لإعادة هيمنتها على العالم الإسلامي لا يتمّ إلاّ من خلال الانقلاب على الحكم الإسلامي المحمّديّ لتشكيل الدولة والعقل الاجتماعي وفق رؤيتها ومصالحها الاستكبارية، فكانت الدولة الأُمويّة وغيرها وصولاً إلى العصور الأخيرة كلّها سارت بمنهجٍ واحدٍ تترسّمه حذو القُذّة بالقُذّة، ورَكِبَتْ ذات المنهج طبقاً عن طبق .
من هنا كانت الثورة الرّسالية الخمينيّة والتي عالجت قضايا مهمّة بعد أن استوعب الإمام التأريخ، وركّز على الهدف الذي تحاول أن تحقّقه قوى الاستكبار العالمي في هذه المرحلة،وفي مراحل متقدمة، فعمل على إفشالها، ومن هنا نستكشف أهم مفردات منهج نهضة الإمام الخمينيّ هي :
أوّلاً: ركّز الإمام الخميني على أن يستعيد المسلمون هويّتهم،وإيمانهم بقضيتهم العليا وهي الإسلام، ووفق هذه الهوية يتمكّن المسلمون من تحقيق سيادتهم،ويتخلّصون من الاستعباد،والاستبعاد، و لايسمحوا لأحدٍ من عملاء الخارج ومن القوى الكبرى الخارجية أث تتلاعب بمصيرهم، وكل هذا - برأي الإمام الخميني- يتمّ من خلال حاكمية الإسلام وإقامة الدولة الاسلامية العادلة المطبِّقة للشريعة الإسلاميّة.
ثانياً: سعى الإمام الخميني جادّاً ومن اليوم الأوّل على ترسيخ وجود مفهوم الدولة في أذهان الأُمّة، فإنَّ الإسلام وتشريعاته تتعرّض إلى التحدّيات،وتغتالها المؤامرات والمخطّطات، وتقتل رجالها الدول الكبرى والمخابرات عبر التاريخ، كل هذا حصل ويحصل ما لم تكن هنالك دولة عُليا تكون قادرة على حماية المسلمين،وتوفير الأمن لهم اجتماعيّاً،واقتصاديّاً، وسياسيّاً،وأمنيّاً،وأن تكون هذه الدولة الوعاء الذي يحفظ الشريعة الإسلامية، وينقلها من النظرية إلى التطبيق،ومن التهميش إلى الوجود، ومن الضّعف الى القوة والعزة، ويسير بالمسلمين إلى بناء الدولة المتكاملة سعياً إلى بناء الدولة الحضارية، والتي تتمكّن أيضا أن تكون خيمة لاستنهاض المسلمين في العالم، وبهذا فإنَّ عهد الإمام الخمينيّ هو الحد الفاصل بين الذل وبين الكرامة،وبين الوجود وبين التهميش.
إنه عصر حاكمية الإسلام وظهور قدرات المسلمين بعد أن كان المسلمون هُمَّل.
ثالثاً: مازجَ الإمام الخميني في منهجه العَمَلي بين مفهومي الثورة والدولة، فإنَّ المقاومة هي الثقافة الجهادية التي تجعل المسلمين على استعداد للدفاع عن مصيرهم، ومصالحهم، ووجودهم، وتحقيق مساحتهم والتموضع في قلب العالم، والسيطرة على ثرواتهم وقرارهم،وقطع أيدي العابثين والمتكبّرين من رجال الصهيونية العالمية.
نعم مازج الإمام الخميني بين هذا الخط الثوري وبين المنهج العملي( بناء الدولة)، وعليه فإنَّ منهج الإمام الخميني لنهضة المسلمين هو الممازجة بين منهجَي الثورة والدولة وإلّا يبقى الإسلام بنظر الإمام محاطاً بالتّحديّات، وعُرضةً إلى الانقلابات .
رابعاً: لمن يتابع ويدقّق في مسيرة الإمام الخميني يجدُ أنّ كلّ حياة الإمام كانت تُركّز على مفهوم المقاومة،والتّصدي إلى الاستكبار وعدم الاستكانة لهم، و هذا لا يتمّ إلّا من خلال منهج المقاومة، وحسب الكثير أنَّ الإمام الخمينيّ يقصد بالمقاومة هو الجانب الأُحادي من استعمال السلاح وتطوير القدرات التسليحية فقط، بينما المقاومة في منهج الإمام الخميني تعني التنمية البشرية الكبرى في الفكر والثقاقة والإعلام والطب والهندسة وسائر العلوم بما يجعل الأُمة الإسلامية أُمّة قادرة على أنْ تقفَ في الصّف الﻻوّل لمسيرة الشعوب والأُمم، والنموذج الأعلى في الاستقلال والتطوّر، والاختراع والاكتفاء الذاتي حتى تعتمدَ الأُمّة على قدراتها،ويتحقق مفهوم السيادة الذاتية والسيادة الاقتصاديّة،والأمنيّة، والعسكرية، فضلا عن السيادة على الأرض والجغرافيا والفكر والدين والثقافة.
خامساً: ركّز الإمام الخمينيّ على ثقافة الشعوب ووعيها؛ لخطورة المشاريع الاستكبارية التى جعلتْ وجودها قائمٌ على سلب إرادة المسلمين، وتعطيل تنميتهم،ومنع نهضتهم، ومصادرة قرارهم، وتغيير ثقافتهم وسرقة أموالهم، وتسليط الحُكّام المحلّيين عليهم ومنعهم من إدراة أُمورهم بأنفسهم؛ لذا خلقت الثورة الإسلامية جيلاً يحكم دولة يمكن الاعتماد عليه وعليها، لتكون حامية للمسلمين وحاضنة لهم وهي النموذج الأروع في تأريخ العالم الإسلاميّ بعد حاكمية المعصوم وقبل حاكمية الظهور.
https://telegram.me/buratha