✒️ عمر ناصر *||
انتهى اطول فصل من فصول الازمات السياسة الاميركية بأعلان اهم اتفاق تأريخي مع حركة طالبان التي كانت تسيطر على نحو نصف مساحة أفغانستان والتي لها نفوذ واسع في المناطق التي لا تسيطر عليها بصورة تامة ونجحت بإنهاء اخر فصل من فصول الكر والفر بعدما ادركت الولايات المتحدة ان التقدم العلمي والتكنولوجي واستخدام احدث الطرق الخاصة بسباق التسلح لم ولن تقدم نتائج ملموسة على الاطلاق بل لم تعد كافية بعد لحسم النزاع الدائر بينهم لمدة اكثر من ٣٠ عام فكسبت بذلك حليفاً سنياً راديكالياً بحتاً يقف على الجناح الشرقي لايران الشيعية من اجل ضمان طيران امن في اجواء البرنامج النووي الإيراني واللجوء الى استخدام القدرة العسكرية عند الحاجه اليها كسياسة للتلويح بالعصى الغليضة.
الكل يعلم بأن الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة دفع بالاخيرة الى ايجاد استراتيجية مغايرة للحرب العسكرية الكلاسيكية ومحاولة خلق اذرع عسكرية تنمي وتغرس وترفع لديها منسوب الشعور بالظلم والاضطهاد الديني لتحصل على التعاطف من قبل قوة اقليمية لايستهان بها على وجه الكوكب ولتجنب اميركا الخسائر عن طريق تزايد و تنامي الحقد من الدول التي استضعفها الدب الروسي ، فأستطاع بذلك العم سام من اللعب كالعادة على وتر الاضظهاد الديني للاقليات المسلمة هناك لتزيد من حقدهم تجاه الشيوعيين السوفيت انذاك.
لقد اختلفت ايدلوجية طالبان هذا اليوم عن ما كانت عليه في مرحلة اسامه بن لادن فالعالم يصنفها انها حركه راديكالية ارهابية متورطة بهجمات ارهابية في اوروبا والشرق الاوسط والكل يعي بأن مثل تلك الجرائم تصنيفها ليس كتصنيف جرائم الفساد وغسيل الاموال او غير ذلك لكي تتدخل فيها مساومات وصفقات سياسية تسقط بالتقادم في مثل هكذا امور لذا فأن وصفها بانها ارهابية لم يأتي ذلك من فراغ وانما استند الى ابجديات جرائم الحرب.
وبعد ان ادركت الولايات المتحدة من انها استطاعت تقليم اظافر طالبان عسكرياً بصورة جيدة من خلال اتباع استراتيجية العصى والجزرة اكتمل ذلك باعلان الصلح التاريخي بينهم وبذلك ضمنت عدم عودة الصداع النصفي لها في المستقبل لتتجه بوصلتها الى اتجاه اخر وهو الامر الذي اثار استغراب عالي من دول العالم ولدى خبراء شؤون الارهاب الدولي والادهى من ذلك الانتهاء من عملية اقناع قادة الحركة التكفيرية من طائفة البشتون السلفية المعادية للشيعة من تنصيب رجل الهزار ( الشيعي ) زعيماً لاحدى المناطق في افغانسان كل ذلك تم عن طريق فتح سبل الحوار لتسخير اعلى درجات الحنكة في حل الازمات.
ما اود الوصول اليه هو ان أمريكا التي تريد عراق اليوم حليفت استراتيجيا في منطقة الشرق الاوسط يأتي بالأهمية بعد العربية السعودية واسرائيل لحين فترة من الزمن وعملية ايجاد عملية سلام هي ليست مسالة في غاية الصعوبة ابتداءا من الولوج بعمق الازمة بين الشركاء السياسيين وانتهاءا بملف الارهاب الذي يجلس ويشاهد عقد جلسات الكتل السياسية وما تنتج عنها من ازمات ليستطيع تجيير تلك الخلافات لصالحه، بدليل ان الهجمات التي طالت قطعاتنا العسكرية والحشد الشعبي في ديالى ومكيشيفة بمحافظة صلاح الدين في عام ٢٠٢٠ وغيرها هي ناجمة عن استغلال ذلك الفراغ السياسي وتداعيات الانقسام الحاصل في تشظي القرار بين التحالفات والتي بإمكاني اليوم وصفها بتحالفات عصى الخيزران التي هي صلبة من الخارج وجوفاء خاوية المحتوى من الداخل.
ان اردنا الوقوف على مجريات الأحداث فلابد لنا اليوم من ربط رداءة العمل السياسي بجميع اشكاله ومتبنياته مع ماجاء به من نتائج سلبية وفاشلة لان التاريخ يعيد نفسه ولكن بثوب جديد ولان طبيعة تغيير التكتيك في افكار الجماعات المتطرفة مأخوذ من سلسلة المتابعة الدقيقة لهم لنقاط ضعف التخطيط المتبعة في مكافحة الارهاب فكما نرى بأنه في كل مره قبل هجماته يأخذ نفس عميق او قليلا من القيلولة قبل الاقدام على انتقاء الأهداف وغالباً ماتكون اهدافاً نوعيه للاسف ..
وكما نعلم ان بعض الدول الاقليمية هي المستفيد الاكبر من استمرار النزاع الداخلي لدينا وان اغلب تلك الدول لديها اجندات سياسية تخدم مصالحها في حماية امنها القومي بأستخدامهم لادوات محلية مذابة في العملية السياسية ولن ينتهي تأثيرها الا بعد تماسك وتقوية الاسس التي تعتمد عليها منظومة الدولة من خلال تمكين السيادة وتقوية السلطات الثلاث .
باعتقادي لقد حان الوقت لانهاء ملف حساس وشائك طالما استنزف موارد ومقدرات وقدرات الدولة بكافة اشكالها العسكرية والبشرية والاقتصادية والتي كان من الاولى تسخير ميزانياتها الفلكية في قطاعات التنمية والاعمار لتصل بنا الى مستوى الاكتفاء والرفاهية الاجتماعية ولتبعد شبابنا عن الانحراف بافكارهم الى مناهج العنف وحثهم على الاستغناء تدريجياً عن فكرة اخذ الحقوق بالقوة مستمدين ذلك من قناعتهم بضرورة الحفاظ على لغة الحوار والتعايش السلمي ، وعلينا التفكير اليوم بمنطق السير بخطان متوازيان لايلتقيان مابين محاولة تصحيح الايدلوجيات الراديكالية الموجودة في عقول البعض منهم وتجفيف منابعها الفكرية ومابين عملية الاستمرار بالتصدي سياسياً وعسكرياً لجميع محاولات ارهاب الدولة والمجتمع .
خارج النص/ الانصات والوصول الى تفكير المواطن هي اعلى درجات الوطنية ..
*كاتب وباحث في الشأن السياسي
https://telegram.me/buratha