المقالات

حينما تصير الفضيلة جريمة، تنقلب الموازين


 

محمّد صادق الهاشميّ ||

 

في عصرنا اليوم نجد الكثير من المفاهيم والموازين معطلّة، بل مختلفة تماما، فالانحطاط هو الحرية، والفوضى هي الديمقراطية، والدين أفيون وتحجّر، والفجور والمجون والانحلال، بل حتى اللواط والمثلية التي تدعمها أمريكا والاتحاد الأوربي في العراق مظهرٌ إنسانيٌ، كما يصوّره الغرب، وليس هذا الأمر أعني ( انقلاب الموازين) بجديد، فالتاريخ القرآني يحدّثنا بما يماثل واقعنا. وإليك من قصّة لوط مثالاً. 

قال تعالى: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}.

إنّ نبي الله لوطاً هو ابن أخي نبيّنا إبراهيم (ع)، وكان كما وَصَفه  الله تعالى بقوله: {وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}، وقوله: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}.

وقد بعثه الله في منطقة « سدوم» وهي اليوم تابعة لمملكة الأردن،  في أناسٍ اشتهروا بجريمة اللواط، فكان أوّل من ارتكب هذه الجريمة هم  الأردنيين ، ما سبقهم بها من أحدٍ، كما قال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ}، وبلغ بهم الاستهتار أنّهم كانوا كالدوابّ يمارسون هذا العمل علنا جهارا في نواديهم، وقد اُنتزع منهم الخجل؛ لمّا أدمنوا ذلك الفعل، كما يشهد به قوله: {... أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}، أي يبصرُ بعضكم بعضا، وقوله: {... وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ}.

وكان هذا الفعل فاشيا فيهم، بحيث لم يبق أحدٌ نزيهٌ منهم لم يفعل هذا الفعل، قال تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} وهو بيت نبي الله لوط، وما في البلد خيّرا غيرهم.

وهذا الفعل الذي سمّاه الله جريمةً، {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}، وعبّر عن مرتكبيه بـقوله فاسقين : {كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} قد عبّرت عنه الجاهلية المعاصرة أنّه ضمن الحريات الشخصية،  ومن هنا يبدأ انقلاب الموازين؛ فتوصف الجريمة بصفة الحرية، وتلبس لباس الحقّ الشخصيّ.

وكان القرار الصادر في حقّ لوط (ع) هو القتل، أو الاحراق، {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ}، بدلاً من أن يستجيبوا له ولنصيحته، ثمّ يُهدد بالطرد من المجتمع، والتهجير بيته وأهله، فكانت جريمة لوط بنظرهم : { قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}، فعابوه بما ينبغي أن يمدح عليه،   وهكذا تصبح النزاهة جريمةً يستحقّ فاعلها العقوبة!!، ويصير النزيهُ غريباً ناشراً في قومه.

وقد وعد نبينا الأكرم (ص) بانقلاب الموازين في زمنٍ من أزمنة أمّته،  فعن النبيّ (ص): « كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفاً». والفعل: ( رأيتم) بمعنى : ( اعتقدتم)، بحيث تصبح قناعاتكم بالمنكر أنّه هو المعروف، وهو الحقّ.

وحينها تستحقّ الأمّة العذاب الأليم، فقال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ،  مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ}، ففي الرواية أن جبريل رفع هذه القرى إلى السماء ورمى بها الى الأرض.

ويبدو أنّ هذا العقاب سنة الله،  {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}ليس العقابُ ببعيد عن كلّ مَنْ تعنون بعنوان ( الظالم)  في كلّ عصر، فهذه سنن التاريخ لا تقف عند أمّة، بل هي جارية في كلّ أمّة، فاتقوا الله، ولا تأمنوا عقابه حينما تكون الجريمة مجتمعيةً، وتصبح القناعة الاجتماعية بالمنكر معروفا، ومألوفاً.

: 11/ 6 / 2021م

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك