محمد صادق الهاشمي ||
الشعب الإيراني انتخب رئيسي، وفضله على غيره وحسم الأمر، ومن يتابع وقائع الانتخابات يجد أنَّ الشعب تحرك بقوة وإيمان بنظامه السياسي دون النظر إلى تفاصيل الخلافات، وبالتأكيد أن المشاركين قد وجدوا في هذا الرجل الخصائص التي يحتاجها الشعب الإيراني لمرحلة قادمة؛ من جد وزهد.
في النظم السياسية المحترمة والديمقراطية، يُعَدُّ الشعب مصدر السلطات، وكلامه الفيصل، وهذا ما حصل في الانتخابات الإيرانية؛ ففيها يتحول الجمع: مرشدًا، مرجعًا، حوزيًّا، أكاديميًا، نخبًا، كل الجماهير؛ إلى مصدر واحد لصناعة النظام السياسي، واختيار من يقود الحكومة (الجهاز التنفيذي)، ويتساوى رأي المرجع مع المكلف، والقائد مع المقود، والمسؤول مع المواطن، أما الحكم (الدولة) فبلا إشكال له صناعات أخرى عن طريق الفقهاء، والمراجع، وأصحاب القرار؛ الذين يرسمون السياسات الكبرى.
بمعنىً أدق، إنَّ وعي الأمة -التي هي مصدر السلطات- هو حقق المنجز، دون الحاجة إلى (العقل الفتوائي)؛ فلم نسمع مرجعًا حث الأمة بفتوى على المشاركة، أو الإشارة إلى نوع المرشح الذي ينتخبونه، بقدر ما أُشيرَ إلى بناء الدولة، وترصين المسيرة، وحفظ النظام العام.
وهذا ما سمعناه من المشاركين بالأَعمار المختلفة، ومن المدن المختلفة، إنه الوعي، ولا شيء غيره.
هذا الوعي، هو الذي يصنع الأمم والحضارات والدولة، وهو السلاح المتين للبناء، ولا سلاح سواه، أما غيابه فهو مصدر الإخفاق!.
بنظرة حيادية، نرى أنَّ المنجز الذي تحقق في الانتخابات الإيرانية، وفي ظل الظروف القاهرة، والإعلام المضاد، والمشكلات العميقة، والتجاذبات الدولية والإقليمية، والإرادة الكلية للغرب وأميركا لإسقاط التجربة في إيران؛ نرى أنَّ المنجز كبير ومهم ومؤثر، ويشكل خطوة مهمة نحو تكامل بناء الدولة في إيران.
يهمنا في العراق أن نستفيد من تلك التجارب الرصينة؛ لبناء مصيرنا عن طريق رفع منسوب الوعي السياسي، لا سيما والتحديات محيطة بنا، والسيف يلامس النحور، وأن تتحول (الثقافة الانتخابية) التي تقدر المصالح العليا للإسلام والمذهب والدولة؛ من ثقافة (حزبية وفتوائية) إلى ثقافة أمة تقدر مسؤوليتها في بناء مصيرها، وتعضيد مسيرتها، وصون كرامتها؛ منعًا للأغيار من الاختراق والتلاعب، لا سيما والأمة في العراق تدرك وتعلم وتعي توجهات المرجعية الرشيدة.
علينا جميعًا تحمُّلَ المسؤولية لبناء الدولة في العراق، والوعي هو الحاكم، والسلاح محكوم عليه. فالعراق بحاجة إلى أن تكون الأمة فيه بوعي يصنع المستقبل، ويحرر العراق من سلطة الأحزاب، وأن تتحول الأحزاب والأمة والقيادات كلها إلى أمة تشارك بقدر واحد في تقرير مصيرها، وإلا فإنَّ القادم لا يقل خطورة عن أي وقت مضى.
https://telegram.me/buratha