محمد صادق الهاشمي ||
ذكرياتي تنتمي إلى أُم زغردت على شواطئ ناحية السلام، يوم كان بين يديها توًا... ولدا...
بين يدها كل الآمال، والخيال به تسابق الزمن وتجاوز الأقدار والأهوال
عاشت في قرية الإصلاح، حيث تنتهي المياه، وينبت القصب والأمل
أُمٌ زَفَّت في وطن العراق شهداء، وأنجبت له رجالًا، وأعطته دمًا… إلا أنه سقاها ألمًا!، وجراحات تبقى بنزفها تسجل الوطن والمبادئ التي وفت لها.
ماتت، وقد تموت حقًا حينما تموت ذكرياتها معها، بيد أنني قررت أن أسجل هنا تاريخ ما لا يكتبه التاريخ، في معتقل وسجن ومهجر، كي لا تموت الأمهات، وقد أعرّي فيه جسد التاريخ، وأوقف الآخرين الذين أُتخموا في زمن جوع الملايين من حولهم، وشبعوا في زمن جوع المعذبين من حولهم، وعلوا قمم المال والثراء في وقت كان الموت والحرمان والدم ينزف به أولاد تلك الأم ومثيلاتها من أولاد (الملحة).
أُمي، وكل أم مثلها لا توجد لغة تستوعب جرحها وحزنها!، وتعجز أيَّة ريشة أن ترسم تلاوين وجهها يوم أتت يدُ الأقدار تحمل ابنَها جثةً هامدةً، مع ورقة صفراء، مكتوب عليها وعلى آمالها وسعادتها، وما كانت تخطه بعرق جبينها من أمل الأم في أجيالها (تم إعدام الأمل فلان شنقًا حتى الموت).
وقيل لها: لا تبكي...
لا تقيمي له مأتما...
ممنوع حتى أن تقولي قُتِل، واستلي رصاص الموت من أحشائك دون بكاء...
واحزني دون حزن، وابكي دون دموع...
وودعي جثمانه دون وداع ...
وامسحي كل تاريخ آمالك بلحظات الموت، والحبل الذي لُفَّ على رقبته...
واعلني البراءةَ منه وقولي –وأنت تبصرين لموته– إنه ليس أحشائي، ولا قلب،ي ولا دمي، ولا لحمي، فاليوم قرر صدام أن يبدل حليب صدرك بدم نحره.
وعليك أن تستسلمي ليد القدر
أنكري معرفتك بقلبك، وتنكري ليديك اللتين ربَّتا وربَّتَتا على صدره، واملئيهما بالحزن والتراب والموت والدم.
كم سمعتها بعد سنين من دفن ولدها الأكبر وهي تردد (يمه جنت لو خفت افزع ليك يمناي... ونسيت وسادتك يالولد يمناي )...
https://telegram.me/buratha